18 ديسمبر، 2024 10:08 م

(١)

تتوقع.. تخشى.. تحاول الهروب منذ سنوات، وكلما قبلت الجبين الطاهر مودعاً، ارتجفت من هاجس يلحّ عليك أنها ستكون القبلة الأخيرة!!

يطادرك الخوف اللعين من خبر تعلم انه آتٍ.. لا ريب وأنه يقترب!

مهما توقعت وارتجف انتظارك العاجز، لن يكون احد في العالم كله قادر على وصف تلك اللحظة.. لحظة الحدوث، كأنه جبل يهتز داخلك.. كذلك هو.. بل أشد وأقسى!

 

(٢)

ويطول الطريق وانت لا تقوى على تحمله، حبيبك ينتظرك يا هذا، أقسم الا يرحل الا وقد رآك ايها الزاهد البائس بهذا الحب..

ولقد حانت اللحظة التي كنت تخشى!

ستجده وفياً كما كان، يطالعك بنظرة لا تخيب، يعاتبك: لم اطلت الغيبة فاني افتقدك؟!

ما علم أنه يرافقني اينما حللت، وان الصمت المنهزم كان يخفي دوماً تحته براكين وقد حان قطافها!

وما علم ان القلب الهزيل لم يعد قادراً على تحمل هذا الوجع اللعين.. والفراق الطويل.. الذي يلوح له!

 

(٣)

وعجباً للمرة الثالثة.. ويا لرحلة العجائب تلك..

كان الكل حاضراً الا انت!!

الكل اجتمع في حضرتك.. ولا يقوى على رفض مصاحبتك..

المشهد كما عهدته متكاملاً.. الا غيابك انت!

والمشهد لا قيمة له، لا طعم له، لا عنوان له، دونك أنت!

 

 

(٤)

ثم كُشِف لنا عن وجهه.. الله الله

لم اشك للحظة أنه كان نائماً، مشرقاً، مضيئاً، مرتاحاً.. بعد طول عناء!

كأنه يعتذر بحياءٍ يليق به معهود له بان يستقبلنا ويهشّ لمقدمنا لأجله، ويعلم هو أن الدنيا كلها ترخص لنظرة منه، لبسمة وجهه الممتلىء بنقاء الربيع!

 

(٥)

وفي لحظة تغادر منزلك الروح، ولا تترك لك سوى غصّة الفراق.. ذكرى تلو ذكرى!!

ماذا يتبقى غير الجدران تحكي لوعتك، تقّص ألمك، تستعيد شريط الحياة يوم تلون بالحضور واسوّد يوم فقدك!

وخلت الاماكن ظاهراً، لكن كل قطعة منها لا تتركني أهدأ اذ تستحضر طيفك، وتذكرني برحيلك!

آهٍ على ايام ليست كالايام!

 

(٦)

اخاف دوماً من الاعتياد الذي يغتال الشعور، ولكن عجباً هل يعتاد مكلوم جرحه ويعايش نزفه وانطفاءه المرير؟!

 

(٧)

حبيبي..

عجيب انت!

انفاسك التي كانت تملأ المكان ما زلت اجدها، رائحتك التي تعطرت بها يوماً.. تغمر سمائي!

كأنك ما غبت، كأنك سافرت الى بلدٍ بعيد.. ونحن باقون ما حيينا ننتظرك!!

 

(٨)

وتتعجب ثامناً: من اين تاتي كل هذه الدموع، من نبع الالم؟ من احتباس المشاعر الذي انكسرت سدوده اليوم ولم يستطيع مقاومته؟

من تفاهة دنيا نراها خالدة فاذا بها كما كان حبيبي يقول لي مبتسماً حتى وهو يجاهد صوته ليظهر: ترهات!!

 

(٩)

وتتعجب حين ترى الحياة ما زالت ماضية، كلٌ يمضي لشأنه، وتكاد تصرخ فيهم كيف لكم ذلك وحبيبي غادرنا!!

كنت تظن انها كما انت توقفت وسكنت واختزنت كل شيء جميل، وباتت مستسلمة لقدرٍ لا تملك الا ان تجدد ايمانك فيه وتجدد توبتك!

 

(١٠)

يتجدد الجرح في كل صباح، ينكأه حد النزف المرير عندي..

في كل صباح تتدفق الذكريات على الخدّين، لا تقبل مقارقتك!

وتمضي في سذاجة لتتمنى أن تكون الحياة مثل فيلم سينمائي

تتحكم فيه فتتجاوز لحظات الحزن وتكرر لحظات الفرح والسرور، لكن هيهات ان تنال مرادك بل انك تحت وطأة العجز الاليم تحكي قصتك!

 

(١١)

(احتيال)

هل يمكن خداع النفس بادعاء بقاءك بيننا وان غيابك مجرد انقطاع مؤقت، وانك حتماً ستعود، وانني سابقى اتطلع مجيئك؟!

 

(١٢)

القلب المنطفىء اضناه الشوق، اذ تحاصره من كل الجهات، وتذكره بك كل الأشياء، الكلمات.. الضحكات.. الصور.. الاماكن!

الف الف من الايام!

تسمع كلمة بسيطة مثل (معقولة) فترتعش وتهزك هزاً!!

وتكاد المصيبة تعيد صياغتك، فلا تخجل من اظهار ضعفك، وتجد نفسك تقول في حزم وعزم:

لن اخجل من تلك الدموع فهي اليوم تذرف على ابي!!

وهل هناك مثل أبي؟!!

 

(١٣)

من مثل أبي؟!!

من مثل الشمس دفأ والقمر رقة والحب نبضاً؟!

من مثل ابتسامة ابي؟!

كان لي اب.. ليس كالآباء

نظمت وقتي على توقيت حبه، فالموعد المغرب كان!!

وها هو الموعد ينتهي ويغيب الصوت ويبقى اتصالي دون جواب!

 

 

(١٤)

واقول لنفسي متعجباً:

ماذا دهاك؟اتخاطب تراباً، تقبل حجراً، تشتاق ارضاً؟!

واجيبها معاتباً وهل تلك مثل غيرها؟!

اليس ثمنها ومعناها من تلك الأجساد التي تضم، والحياة التي تكمن؟!

لذا لا ابالي منطقها الهزيل، وامضي احدثك عن وجع كبير وشوق عظيم، ودعاء لا ينقطع، وحبيبة ما تزال تبكيك وانت تستمع بشوق ولا اشك.. فهي على العهد الذي كان ستبقى حبيبتك!

ثم الملم ما تبقى منّي واودعك قائلاً: انتظرني كالعادة لن اتأخر عليك وسابقى اسأل عليك واتفقدك!

 

(١٥)

(بعثرة)

– الان في لحظة سجلتني انني كبير منكشف فلا خيمة لي ولا غطاء!!

– تضيق الروح وتكاد تحصرنا حتى تهشم النفس وتلاشي الامنيات!

– يراك بعض الجاحدين الجامدين أنك تحولت بكل ما اوتيت من قلب وحضور الى تركة وحاجيات وشهادة من الورق المتهرىء.. واحسرتاه!

– ليت هذا الجرح لا يكبر.. ليت هذا الطفل لم يكبر!

 

(١٦)

(رؤيا)

في ظلال النوم رأيتك تتلألأ!

وقد نلت شرف مصاحبة الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه..

وتطلب منّي بالاسم الا أبكيك، لكن

الدموع تفر رغماً عني وتتلقاها سكينة رضا بالمقام العظيم الذي منحت ختاماً لحياتك المثقلة بالصبر على الألم!

 

(١٧)

اختزن اسمك كأثمن ما لدّي:

بابا.. وابي.. وحبيبي!

اقفل عليها مثل طفل ما زال ينتظر أمانك بقفل من ذهب!

ذهب؟!

أواه.. بل أنت الذهب الذي ذهب!!