لا أستطيع ان أقول لاي مواطن ان لا تدافع عن بلدك، العقل والمنطق لا يستطيعان ان يقرا هذا الامر، وهذا الحال حال أي امر اخر، فمثلا ليس عيب على أي مواطن ان يقدم مصالح وطنه على مصالح البلدان الأخرى، والامر ينسحب على العشيرة او القوم والأمة وحتى نصل الى الاسرة والفرد، هذا امر في الفطرة الإنسانية موجود قبل ان يكون موجود في أوراق الكتب.
وهنا استذكر جواب جان جوك روسو عندما سُئِلَ هذا الفيلسوف الفرنسي: ما هو الوطن؟ *فأجاب: الوطن هو المكان الذي لا يبلغ فيه مواطنٌ من الثراء بحيث يصبح قادراً على شراء مواطن آخر! ولا يبلغ فيه مواطنٌ من الفقر بحيث يبيع نفسه أو كرامته لمواطن آخر!
من هذين المحورين انطلق في حلقتنا الثالثة من هذا البحث، حيث استطاع الغرب من توظيف من وظفه على حكم العراق لخلق حالة من نكران الوطن، نكران الهوية القومية ومنها الى مسخ الشخصية العراقية، وقد تم تنفيذ العديد والعديد من المخططات والحروب وما تبعها من حصار وتجويع وموت الأطفال قبل الكبار من اجل مسخ الهوية الوطنية العراقية.
فبعد ان كان الموطن العراقي يتمتع بالقدرة الاقتصادية الجيدة وازدهار القطاعات الصناعية والزراعية (القطاع العام) إضافة الى تعدد موارد الدخل القومي حيث وصل الامر قبل تولي صدام التكريتي الحكم ان الدينار العراقي يعادل اكثر من 3 دولار امريكي، جاء الدور الى حرب (مفتعلة) لا طائل ولا مسبب لها مع ايران.
تدمير الاقتصاد العراقي ، تدمير الصناعة والتجارة، عسكرة المجتمع، تخدير الشعب بالشعارات القومية العنصرية، توجيه مقدرات البلاد الى العائلة الحاكمة وتسخير الثروات لهذه العائلة، وبالمحصلة ديون مثقل بها الجيل المعاصر لتلك الاحداث انهيار العملة العراقية امام العملات الأجنبية، تراجع في كافة النواحي الحياتية، وبالختام الرجوع الى اتفاقية الجزائر 1975 في ترسيم الحدود، واعترف العراق لأول مرة في تاريخه باحقية ايران في الاحواز والمحمرة وسيف سعد وزين القوس وقصر شيرين، بالإضافة الى التنازل عن الضفة الشرقية لشط العرب ، هذه المناطق لم يعترف العراق باحقية ايران فيها الا بعد مغامرة صدام التكريتي وتنازله لإيران، الذي يتبجح بانه بطل القادسية فليراجع مقررات مجلس الامن والقرار 598 وما هي بنوده، حيث باعتراف العراق بانه هو الذي بدا الحرب، الامر الذي أدى الى ان العراق يدفع (من اموال الشعب وليس أموال ابن صبحة) كل رصاصة اطلقت وكل قتيل وقع في الجانب الإيراني وكذلك كلفت إعادة اعمار المدن الإيرانية وغيرها الكثير.
خلال ال8 سنوات في الحرب، عمل صدام وحسب ما هو مخطط له الى تدمير الاسرة العراقية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، اتفق مع حاكم مصر (حسني مبارك) على تصدير العمالة المصرية للعراق على ضوء ذهاب العراقيين للحرب (الرجال) واشترط حاكم مصر على ان العمالة ستكون بارسال المساجين المصريين في السجون (عملية تنظيف السجون المصرية من عام 1981 ولغاية 1985 – راجع تاريخ مصر الحديث وشاهد الأرقام المرعبة)، وبالفعل تم ارسال اول دفعة والتي بلغ تعداد افرادها ما يربوا على الثلاثين الف مصري، وتصور عزيزي القارئ حالة الذهول لدى المصريين عندما شاهدوا الرفاه الاقتصادية وطيبة العراقيين وهم مساجين محكومين، نساء بدون رجال، عوائل وأطفال، وبهذا دخلت شتى أنواع الموبقات والرذائل الى المجتمع العراقي، بالإضافة الى زواج المصريين من ارامل قتلى الحرب، حيث كان صدام يدفع (ثمن) مقتل رب العائلة لعائلته وهنا جاء دور المصريين وتزوجوا من العراقيات وتصور الوضع عزيزي القارئ.
هنا بدات مراحل تفكك الاسرة ودخول العادات الغريبة عن المجتمع (المخدرات، القتل بين افراد العائلة، التهريب)
وللحديث تتمة … اذا بقيت للحياة