البارحة تأكلنا وتعيش فينا , ولا نستطيع مبارحتها , ونتوارثها جيلا بعد جيل , و(قس بن ساعدة) خاطبنا مرارا قبل أكثر من أربعة عشر قرنا , بقوله ” …وما فات مات , وكل ما هو آت آت….” , وما وعيناه , وكأنه العارف ببواطن نفوسنا , ومعطيات سلوكنا.
لازلنا نستعمل مصطلحات تدل على التأسن والتدحرج إلى الوراء المهين , مثل ” النظام السابق” , وفلان كان يجب أن يكون مكان فلان , ونستحضر أحداثا مأساوية حصلت قبل عدة قرون , ونتوهم بأننا نعيشها ونعبر عنها وكأنها تحدث اليوم بيننا.
“نعيد ونصقل” , وكأننا في دائرة مفرغة من الويلات , الجاثمة على صدورنا والمصادرة لعقولنا , وندّعي غير ما فينا , فالوهم قائدنا , والتضليل إمامنا , والتجهيل مذهبنا , وميدان القطيع مرتعنا.
هل وجدتم أمة تتدثر بماضيها ولا تغادره؟!!
في مجتمعات الدنيا عندما يتغير نظام الحكم بالإنتخابات , يكون اليوم والغد من مسؤولية النظام الجديد , ولا تجد في خطاباتهم وإعلامهم , ما يشير إلى النظام السابق إلا فيما ندر.
المسؤول الجديد يتحمل المسؤولية منذ اليوم الأول , ويستجمع الطاقات ويُفاعلها من أجل مستقبل أفضل.
أما في مجتمعاتنا , فأنظمة الحكم , تولول وتتهكم وتتشكى , وتعجز عن تقديم ما هو صالح للبلاد والعباد , وترمي بالأسباب على الذي فات وما مات , وما تأتينا بما تراه صالحا للحياة.
وفي بعض مجتمعاتنا , الكراسي تولت الحكم فيها لأكثر من عقدين , ولا تزال تتكلم بلسان النظام السابق , وما يحصل في البلاد ليس بسببها وإنما بسبب ما كان قبل عقود وقرون.
إن العلة القاهرة الفاعلة فينا , إمعاننا بتأمين العجز , وإعلاء قيمة المظلومية والتفاعلات السلبية الناجمة عنها , ودفع الناس لإستلطاف السوء والبغضاء وإعتبار الفساد من الإيمان , والبعض يرى أن الحكم غنيمة ولديه الحق المطلق بإستلابها والإستحواذ عليها.
وبموجب ذلك فالمجتمعات تزداد تأسنا في مستنقعاتها التي تزداد تعفنا ونتانة , وتسري فيها قوانين المستنقع , حتى يذهب الماء ويسود الإنقراض!!
فأين العقل في أمة يعقلون ويتفكرون؟!!
د-صادق السامرائي