منذ أن قام المالكي بصولة الفرسان (وهي الحملة العسكرية الشهيرة ضد المقاتلين من التيار الصدري) وهو يجني ثمارها إلى هذا اليوم، والقسم الأكبر من الناس ممن إنتخب المالكي على الرغم من اقتناعه بأخطائه إلا إنه يهرب من فكرة مرعبة بالنسبة إليه و هي سيطرة الصدريين على الحكومة، حسنا لست هنا أقول إنها مرعبة أم لا، ولكن نعم بعض ممن يسمون أنفسهم بالصدريين بعيدين كل البعد عن منهج آل الصدر الكرام و حتى عن منهج إبنهم البار مقتدى الصدر، يكفي أن تتحدث مع واحد منهم لتذكر له فكرة مضادة لما يعتقد حتى يقوم بـ “تفسيقك”، وقسم منهم بالفعل أهلك الحرث والنسل تحت عباءة مقتدى الصدر مما حدا بالأخير على الأكثر حل جيش المهدي ثم إعتزال السياسة والتمسك فقط بالمؤسسات الدينية والتربوية في نهاية المطاف. بالطبع لا أقصد المثقفين المتسامحين من الصدريين أو على الأقل من هو يقتدي فعلا بقائد التيار الصدري الذي يرسل (تحياته) لمن يشتمه، على أي حال هاجس الخوف أو (الكره) بالأحرى لم يخفت في قلوب الكثيرين إلى هذه اللحظة لهذا السبب او ذاك.
والمالكي أيضا شن حربا (ليست ضروسا) على داعش في الأنبار، و جنى كلا من ثمارها وسلبياتها، متجها بذلك إلى استمالة بسطاء الشيعة بإقناعهم إنه هو الوحيد القادر على التصدي لمن يحاول النيل من مذهبهم، و إنه إذا أتى غيره سيفتح المجال أمام (النواصب) لكي يسيطروا على العراق و قد يمنعوهم من الزيارة او ممارسة شعائرهم بحرية وهو ما يعتبره العديد من الشيعة كابوسا كانوا قد تخلصوا منه بشق الأنفس، حتى لقبه مشجعيه بـ (مختار العصر) و قد وقّت حملته هذه قبيل موعد إجراء الإنتخابات على الرغم من إنه لو كان التدخل العسكري هو الحل الوحيد لحل أزمة الأنبار لكان ملزما حصوله قبل أكثر من سنة ونصف أو حتى قبلها.
والمالكي قاد الدولة في ظروف صعبة للغاية، و نجح في إقامة حكومة رغم التجاذبات والصراعات السياسية والطائفية والمكونية،. إتجه إلى مسك زمام الملف الأمني كاملا بيده (جيش، شرطة ، مخابرات إلخ) وقام بتنظيف هذه المؤسسات من العناصر الفاسدة المناوئة، و إستبقى العناصر الفاسدة غير المناوئة وإتجه إلى تربية قادة القوات الأمنية على الطاعة العمياء للقائد الأوحد مما كان له الأثر في عدم حصول اي انقلاب على حكومته، وربما قد يحتاج هذه الطاعة العمياء لاحقا فيما لو فشلت كل المحاولات المؤدبة في استحصال كرسي الحكم من جديد.
من جانب آخر قسم من الناس (ممن يعتقد إنه مستفيد) انتخب المالكي لأسباب أخرى، مثلا الموظف البسيط الذي يستلم راتبا (600) الف دينار ويخرج من (سلفة) ليدخل في سلفة أخرى، و قدم على قطعة أرض ينتظرها منذ عدة سنوات، و ينتظر يوما بعد يوم (العلاوة السنوية) لكي يزيد راتبه بضعة الاف دينار ويأمل ان يحصل بعدها على سلفة الإسكان لكي يستطيع أن يبني (غرفة نوم ومطبخ ومجموعة صحية) ويبقى يسدد الأقساط مدة 15 سنة! مثل هذا النموذج يخشى أن تتهدم احلامه بجلوس شخص آخر غير المالكي على كرسي رئاسة الوزراء. (الأمور الآن ماشية) فمن يدري ماذا سيحصل لو أتى شخص آخر؟ و (باجة عصفور) خير من عشرة دجاجات سمينات على الشجرة.
الرجل حصل إلى الان على ولايتين ويسعى بكل اصرار للحصول على ولاية ثالثة (بالكوة او المروة)، بالطرق الشرعية ام غير الشرعية، وثبت نفسه بشكل جيد واستحوذ على مؤسسات الدولة المستقلة وعمل على تقريب عائلته والمخلصين له ووضعهم في المناصب الحساسة و له الحق في ذلك، فدنيا هارون قد تستحق سجن موسى إبن جعفر (عليه السلام)، وكرسي الحكم و نشوة السلطة المطلقة ومنصب القائد الضرورة وتطبيل (اللوكية) الذين هم نفسهم في كل عصر و في عهد اي حاكم، ليس من السهولة بمكان التخلي عنه فحتى منصب الرئيس الامريكي ليس بقدر منصب دكتاتور في أي بلد مهما كانت مساحته، للمالكي اسبابه (القوية) في البقاء في السلطة ولكن هل كانت اسباب من صوت له بمثل تلك القوة حقا؟؟ ولماذا أجدها واهية للغاية؟ خصوصا إنه لا يحلم أيا منهم بدنيا هارون؟ على أي حال هذا لا يمنع أن يحلم بعضهم بدنيا (مسرور) على الأقل، عندها ربما يكون لديه سبب منطقي إلى حد ما!