18 ديسمبر، 2024 8:02 م

اغتيال هينة..التداعيات والسيناريوهات المحتملة

اغتيال هينة..التداعيات والسيناريوهات المحتملة

ثمة أسئلة كثيرة  تلوح في الأفق حول تطورات الحرب على غزة والتي كان آخرها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران وقبله بساعات اغتيال فؤاد شكر أحد كبار قادة حزب الله في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت , وهذا يعني انحرب السابع من أكتوبر /تشرين الأول لن يكتب لها نهاية قريبة في ظل هذا التصعيد الخطير الذي قد يبتلع المنطقة برمتها , ومن هذا المنطلق ثمة ثلاثة استنتاجات ستحدد مسار حرب غزة على المدى المنظور:

الاستنتاج الأول اغتيال إسماعيل هنية الهدف الرئيسي منه  تضييق الخناق على حركة حماس وفصائل المقاومة  من خلال تحطيم معنويات  هذه الفصائل وإيصال رسالة بأن كل أعداء إسرائيل هالكون لا محالة فتصفية قائد بارز بمستوى هنية قد تؤدي إلى إضعاف الروح المعنوية للفصائل وتقويض قدرتها على إدارة الصراع ضد إسرائيل”.

الاستنتاج الثاني انخراط إسرائيل في الجهود الدبلوماسية للتوصل الى صفقة مع حركة حماس لوقف إطلاق النار في غزة ,لم يكن سوى لعبة جديدة من ألاعيب نتنياهو لخداع العالم وحقيقة ان هنية كان يمثل قوة دافعة لإبرام صفقة لتبادل الأسرى والرهائن وإنهاء الحرب ,تشير الى ان أحد الأهداف الرئيسية لاغتياله تقويض أي فرصة ممكنة للتوصل الى مثل هذه الصفقة .

الاستنتاج الثالث يعتبر اغتيال هنية بمثابة مكسب سياسي بالنسبة لنتنياهو خصوصا بأن الشارع الإسرائيلي   لم يعد يثق بقدرته على إنهاء الحرب في غزة ناهيك عن الخسائر والتكاليف الباهظة التي لا يزال الجيش الإسرائيلي يدفع فاتورتها كل يوم  ,فابغتيال هنيةيمكن لنا ان نستنتج بأن نتنياهو ربح جولة مؤقتة قد تعيد ترتيب بيته السياسي الداخلي مما قد يعزز شعبيته بالداخل الإسرائيلي في انتخابات قادمة، ويثبت قدراته في إدارة الأمن القومي”.

الاستنتاج الثالث ان اللعب الإسرائيلي على حافة الهاوية في المواجهة مع إيران وحلفائها في المنطقة يمكن انيدفعها الى حرب إقليمية شاملة بمعزل عن الرغبة المعلنة من قبل إسرائيل وإيران  والولايات المتحدة  بتجنبها  وعدم تجاوز الحدود المرسومة لقواعد الردع والاشتباك وآخر ذلك تصريح وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن الذي دعا جميع  أطراف الصراع الى أقصى درجات ضبط النفستفادياً لأي تصعيد إقليمي قد تكون له تداعيات مدمّرة على دول المنطقة”..

إيران وحلفائها اليوم  أمام اختبار صعب يستلزم رداًقوياً في الزمان والمكان المناسبين يعيد ترميم قواعد الردع من جديد  فلم يعد ضبط الفعل ورد الفعل  مجديا هذه المرة في ظل هذه التطورات الميدانية المتسارعة   وهذا يعني  ، عملية الاغتيال الأخيرة يمكن ان نعتبرها مُجرد بداية لمرحلة مهمة قد تعكس مسار الحرب نحو الأسوءبالرغم من ان الضغط الأمريكي لمنع نشوبها  لا يزال حاضراً على الساحة الدولية والإقليمية وخير دليل على ذلك الإنذار شديد اللهجة الذي وجهه الرئيس الأمريكي جو بايدن لنتنياهو والذي هدد فيه بالتوقف عن مساعدة إسرائيل في حال لم تغير الأخيرة نهجها في  الحرب على غزة  .

بالنتيجة يمكن لنا ان نعتبر اغتيال هنية هو خطوة استباقية من قبل نتنياهو لإعادة هندسة الشرق الأوسط وأحداثه وتقديم ذلك للرئيس الأمريكي القادم كأمر واقع محكوم بشروط ومصالح إسرائيل وبالتالي عدم انتظار رؤية هذا الرئيس تجاه الشرق الأوسط بحيث يتم توظيف إسرائيل فيها كلاعب وفقاً للمنطق الأمريكي للرئيس الجديد , وهذا يعني ان عملية الاغتيال الأخيرة لا يمكن لها ان تنحصر في خط الصراع والمواجهة بين طهران وتل أبيب فحسب ,بل تتعدى ذلك لتشمل سياقات أوسع على المستويين الإقليمي والدولي ,ولكن الأخطر من كل ذلكنتائج اغتيال إسماعيل هنية قد تفرض على إيران ووكلائها منطقاً واحداً هو أما ان تدخل في حرب مفتوحة وكل ما يرافق ذلك من خسائر بشرية ومادية ..  او انتتراجع الأخيرة وتقبل بالمنطق الإسرائيلي كمحدد وحيد لشكل ومضمون الشرق الأوسط .

ومنا هنا يمكن لنا ان نفسر عملية الاغتيال كان الهدف الأساسي منها قطع الطريق أمام أي محاولة للتقارب أو  التفاهم في خط العلاقة بين واشنطن وطهران انطلاقا، مما أفرزته الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة أو ما ستفرزه الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة, ويعتبر نتنياهو هو المستفيد الأول والأخير من كل ذلك خصوصاً بأن هدفه المعلن هو إطالة أمد  الحرب على غزة لتحقيق نصر على الأرض خصوصاً بأن المقاومة الفلسطينية لا تزال قادرةً اليوم على مواصلة القتال بقوَّة وإلحاق الألم بالجيش الإسرائيلي، حتى في مناطق سبق أن أعلنت إسرائيل السيطرة عليها، والقضاء على وجود المقاومة فيهاوهذا يظهر حجم المأزق الاسترايتجي الكبير الذي تواجهه إسرائيل أولاً ونتنياهو ثانياً, وهذا يقودنا أيضاً الى تصور مفاده  ان  إسرائيل لن تكون قادرة في المستقبل على ردع هجمات أخرى على غرار هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، أو خوض حرب كبيرة بكفاءة عسكرية عالية .

لا يوجد أمام طهران اليوم سوى خيار واحد ووحيد يتناسب مع حجم وشكل ومضمون اغتيال إسماعيل هنية، وهو الذهاب إلى ما يشبه نسخة ثانية من عملية “الوعد الصادق”، أي ضرب مباشر ومعلن ورسمي من قبل الحرس الثوري لأهداف داخل إسرائيل من قبيل استخدام أسلحة متطورة لم تستخدمها في النسخة الأولى من عملية “الوعد الصادق”, أو

إسقاط فكرة الضرب النظيف وعدم استبعاد مبدأ إراقة الدماء داخل إسرائيل.

ناهيك عن اختيار أهداف حيوية ذات دلالات مؤلمة حين يتم الحديث عن الحالة الداخلية في إسرائيل ,

والأكيد ان رداً كهذا من المرجح أنه سيكون  بداية  لسيناريوهات  مرعبة   تتجاوز  حدود غزة و جنوب لبنان في ظل فشل الجهود الدبلوماسية والوساطاتالدولية  وهذا ما يجعل اتفاق السلام في مهب الريح !.