عند تمام الساعة السادسة مساء، وما كاد يعلن التلفزيون الحكومي عن اغلاق مراكز الاقتراع، حتى هرع جعفر واخرون نحو ساحة وسط بغداد وبدأوا يرفعون الهياكل الحديدية للملصقات الانتخابية تمهيدا لبيعها او نقلها الى منازلهم.
وقال جعفر وقد علت وجهه ابتسامة عريضة “نشكر الله اولا لانه ارسل عاصفة حتى تقلع هذه الملصقات الانتخابية الثقيلة من مكانها، وثانيا نشكر المرشحين على كرمهم لانهم اعطونا شيئا من دون اي مقابل”.
واضاف وقد انهمك بازالة الاطار الحديدي لملصق عملاق في ساحة كهرمانة “ساحصل على سقيفة كاملة استخدمها في مرآب بيتي للسيارة، ولولا هذه اللافتة لكانت هذه السقيفة قد كلفتني الكثير من المال. لذا، شكرا جزيلا لهم”.
وعلى بعد امتار قليلة من جعفر، وقف الشرطي عادل محمد يراقب عشرات الشبان وهم يزيلون بسرعة هائلة اطارات حديدية مشابهة، يحمّلونها في سيارات، او يحملونها على اكتافهم وينطلقون بها.
وقال محمد بسخرية “الشعب العراقي، قبل امانة بغداد، تطوع ذاتيا من اجل رفع هذه اللافتات. هم يقومون بعمل انساني نبيل من اجل مساعدة الدولة في رفع الجزء الاكبر من هذه اللافتات التي غزت شوارع المدينة وساحاتها”.
واضاف ان “الامانة ستاتي غدا لتنظيف الباقي منها، ولن يكون هناك الكثير، بل فقط قطع صغيرة، لان الثقيل سيرفع الليلة، وهم قد بدأوا اصلا”.
وادلى ملايين العراقيين باصواتهم الاربعاء في اول انتخابات تشريعية منذ الانسحاب الاميركي نهاية 2011، آملين باحداث تغيير في بلاد تعيش على وقع اعمال العنف اليومية منذ اكثر من عقد.
وتنافس في هذه الانتخابات 9039 مرشحا على اصوات اكثر من 20 مليون عراقي بهدف الدخول الى البرلمان المؤلف من 328 مقعدا، والذي غالبا ما يتهم اعضاؤه من قبل العديد من العراقيين بالعمل لمصالحهم الخاصة، وبتلقي اموال ومخصصات مبالغ بها.
وغزت المدن العراقية منذ بدء الحملة الانتخابية في اول شهر نيسان/ابريل الماضي الاف الملصقات الانتخابية الخاصة بالمرشحين والتي اخفت معظم ملامح الشوارع والساحات حيث احتلت جدران الابنية واعمدة الانارة والتماثيل في وسط الساحات وغيرها.
وفي بغداد، ارتفعت مبيعات الحديد في سوق السباع المخصص له الى مستوى غير مسبوق.
ويقول تاجر حديد رفض الكشف عن اسمه “لقد بعنا كميات كبيرة من الحديد هي الاعلى منذ عشر سنوات”، فيما يقول تاجر اخر ان “كميات الحديد التي بعناها خلال الفترة القليلة الماضية تكفي لبناء عشرات المجمعات السكنية”.
ويوضح المقاول حيدر مهدي ان “قيمة ملصق بحجم مترين في ثلاثة امتار تبلغ نحو 300 دولار كحد ادنى”، مشيرا الى ان “الحمالة سيجمعون الحديد ويبيعونه الى الحدادين بنصف سعر قيمته الحقيقية، فيما يباع القسم الاخر الى الشركات العامة لتذويبه واعادة تصنيعه”.
وتجنبا لاي اشكال، تقاسم جعفر مع اخرين الساحات والمناطق المتفرقة في بغداد منذ بداية الحملة الانتخابية.
وفي منطقة الجارية وسط العاصمة ايضا، وقف رشيد عبود مع ثلاثة اخرين قائلا لهم ان “هذه الهياكل الحديدية بين ساحة الحرية حتى تقاطع الجامعة هي من حصتي”، قبل ان يبدي الاخرون موافقتهم مؤكدين ان حصتهم ستكون في الجهة الاخرى من المدينة.
وقال عبود لفرانس برس “المرشحون تعلموا الدرس من الانتخابات السابقة، لذلك قاموا بزيادة في صرف الاموال بهدف شراء اطارات حديدية كبيرة الحجم حتى تصمد لافتاتهم لفترة اطول من السابق ولا تقلع من مكانها بعد اول عاصفة تضربها”.
وتمثل ظاهرة الاستيلاء على هذه الهياكل التي يرى فيها كثيرون اموالا ملقاة في الشارع، مسألة ايجابية بالنسبة الى دوائر البلدية في بغداد والمحافظات الاخرى بحيث لا تتحمل تكاليف وجهد رفعها من اماكنها والتخلص منها.
وفي ساحة الفردوس قرب فندق فلسطين، وقف ابو حازم يعطي تعليماته لخمسة شبان يعملون لديه حيال كيفية رفع الهياكل بالطريقة الاسرع والانسب.
وقال “المستفيدون من هذا الحديد هم نحن الفقراء، نستخدمه كاسقف في منازلنا، والجزء الاخر نبيعه من اجل الحصول على المال”.
وتابع “اغلب النواب لم يخسروا شيئا من جيوبهم، فهذه اموال الشعب التي استولوا عليها، وسيعوضونها طبعا في الفترة القادمة، ويبقى لنا نحن الفقراء هذا الجزء اليسير منها”.