18 ديسمبر، 2024 10:54 م

1 تموز: مبروك عيد ميلاد نصف العراقيين!

1 تموز: مبروك عيد ميلاد نصف العراقيين!

لعلها ظاهرة عراقية منفردة بامتياز، لا يشارك العراقيين فيها شعب آخر، ففي الأول من تموز تستطيع أن تقول لنصف العراقيين (هابي بيرثدي: عيد ميلاد سعيد!)، لأن دفاتر نفوسهم تحمل تاريخ تولد 1/7، وليس معنى هذا أن جميع هؤلاء قد ولدوا يوم 1/7 حقا!! فربما نسبة ضئيلة لا تكاد تذكر من بين هؤلاء هم من ولدوا يوم 1/7 حقا! ويمثل هذا اليوم الميلاد الرسمي (التوفيقي، غير الحقيقي) لملايين العراقيين الذين قدموا إلى الدنيا قبل عدة عقود، اختارته دائرة النفوس اضطرارا لجهل آبائهم بموعد ميلادهم الحقيقي وعدم امتلاكهم وثيقة ولادة رسمية. والسبب في هذه الظاهرة العراقية الخالصة أن آبائنا وأجدادنا يرحمهم الله جميعا، كانوا لا يكترثون لتسجيل تاريخ ميلاد اي مولود يولد لهم، بل يتماهلون في التسجيل وقد تمر سنوات لحين استحقاق الولد دخول المدرسة او وصوله الى سن التجنيد الالزامي فتتم مراجعة دائرة النفوس، فتسجله حسب ادعاء الوالد على السنة التي يتذكرها وغالبا ما تكون السنة مقترنة بحدث ما، مثل (دكة رشيد عالي) ليقصد بها عام 1941!، أو عام مقتل الملك غازي، أو غيرها من الأحداث، وحيث لا يتذكر الوالد اليوم بالضبط الذي ولد له مولوده فيه فتضطر دائرة النفوس (الأحوال المدنية) كمعالجة وسطية للأمر وحتى لا يغبن الولد سواء بالتسجيل بالدراسة او السوق لخدمة العلم، جرت العادة ان يعتمد يوم الاول من تموز يوم ميلاد اعداد هائلة من العراقيين..

وقد اعتادت وسائل التواصل الالكتروني مثل الأيميل الفيسبوك ان تبلغ المشترك بيوم عيد ميلاد اصدقاءه المسجلين لكي يقوم بتهنئتهم، فقد تعودت أنا ان استلم يوميا اشعار بعدد من أصدقائي بين 10 و20 اسماً من بين أصدقائي الـ 5000 ولكن حين يأتي يوم 1 تموز أجد الفيسبوك يبلغني بحلول عيد ميلاد حوالي 20 الى 300 اسم من أصدقائي!!

وقد لاحظتُ ان بعض البلدان العربية (ومنها دول الخليج العربي) وغيرها لجأت الى اختيار يوم 1/1 لتسجيل تولد من لا يُعرف بالضبط يوم مولده من السنة، فإنني كنت احمل (جواز سفر عراقي أس) مذكور فيه سنة التولد وليس يوم التولد، كما هي الجوازات العراقية (قبل 2005) خالية من تاريخ يوم الولادة وانما يذكر فيها سنة التولد فقط، فتقوم سلطة الاقامة بتسجيل تولدي وغيري من العراقيين يوم (1- 1) لان جوازاتنا القديمة كانت تحمل سنة التولد وليس يوم التولد. كما ان الجوازات العراقية قبل 2005 كانت خالية من اللقب تنفيذا لقرار صادر في السبعينات بمنع استخدام الالقاب في الوثائق الرسمية!!

يرحم الله والدي الذي كان مختلفا عن كثير من الآخرين في زمانه، حيث اعتاد ان يثبت تاريخ ووقت ولادة كل منا في دفتر جيب يسجل فيه المعلومات والبيانات المهمة، ومنها تاريخ ولادة كل منا وحتى الساعة، وكان أهلنا في الكرخ كما سائر مدن العراق لا يلجأون للمستشفيات لتوليد النساء، بل يلجأون للقابلات المأذونات في مناطقهم. رغم ان المستشفى (في سوق الجديد) لم تكن تبعد عن بيتنا أكثر من مسافة خمسين مترا، الا ان القابلة المأذونة الشهيرة في الكرخ (الجدة فطم يرحمها الله) كانت هي المولدة لمعظم مواليد المحلة ومنهم انا وسائر اخواني العشرة.

يحاول البعض من الكتاب ان يفسر هذه الحالة ناسبا ذلك الى الدكتور علي الوردي قوله ((ان سبب ذلك يعود لان يوم تسجيل العراقيين في احصاء عامي 1947 و1957 صادف في اول يوم من شهر تموز لذلك سجل اغلب العراقيين مواليدهم على تاريخ يوم الاحصاء)) وهذا غير صحيح اطلاقا لأن معظم الاحصاءات العراقية جرت يوم 15 تشرين الأول وليس في تموز. ولكن المعلومة الادق ما ذكرته المصادر الرسمية من ان ذلك تم باقتراح من مدير النفوس العام في سنة 1964 امين الهلالي الذي جابهته مشكلة تاريخ الولادة قدم هذا الاقتراح باعتباره يمثل منتصف السنة.

عيد ميلاد سعيد لكل العراقيين مواليد 1 تموز وأدعو أصحاب التولد (1 تموز) أن يحتفلوا سوية ويقيموا احتفالات مشتركة لمواليد 1 تموز، ويفترض من الحكومة العراقية أن تجعل تاريخ 1 تموز مناسبة سنوية؛ لحث أبناء العراق على توحيد الصفوف وإيجاد قاسم مشترك لحياة يتساوى فيها أفراد المجتمع كجسد واحد. ولنرفع اكفنا بالدعاء من الله في الاول من تموز ان يحمي العراق واهل العراق ومنهم من ولدوا في الاول من تموز… وعسى أن لا يبقى الحال على ما هو عليه، فألف مبارك لكل من ولد حقيقة في 1 تموز ولكل من سجلته النفوس في 1 تموز رغما عنه.. فلنراجع دفاتر نفوسنا ونحسب كم عدد الذين يجمعهم التولد في الأول من تموز؟ ألف مبروك لجميع من يحتفلون بيوم مولدهم (الاعتباري) في الاول من تموز. اما الذين تاريخ تولدهم الفعلي والحقيقي هو الاول من تموز فنقول لهم كل عام وأنتم بألف خير…