21 ديسمبر، 2024 11:51 ص

السودان.. الذهنية العسكرية تتسيد

السودان.. الذهنية العسكرية تتسيد

بتعيين أول رئيس للوزراء في السودان منذ 28 عاما تكون جُهيزة قد قطعت قول كل خطيب.. ويُضرَبُ هذا المثل لِمن يَقطعُ على النّاسِ ما هُم فيه من أمرٍ مُهمٍ استعر جدله. فبعد جدل طويل وممل بدءًا باستحداث المنصب مرورا بالمواءمة الدستورية وانتهاءً باختيار شخص الفريق بكري حسن صالح، أنهى الرئيس عمر البشير الجدل مجددا ثقته في نائبه الأول ليجمع بين منصبين رفيعين، النائب الأول ورئيس الوزراء، وذلك لأول مرة منذ عهد الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري (مايو 1969 – أبريل 1985).
وبعد أن تعشّمت الأحزاب التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني الذي ابتدره الرئيس البشير في يناير 2014، في المنصب قرر حزب المؤتمر الوطني الحاكم الاستحواذ على المنصب رغم أن تلك الأحزاب كانت صاحبة اقتراح استحداث المنصب وفي ذات الوقت تحفظ الحزب الحاكم على المقترح إلا أنه سمح بتمريره في النهاية مع تبييت نية الاستحواذ عليه وفوّضت الأحزاب مجبرة سُلطة تعيين رئيس الوزراء لرئيس الدولة.. وعندما استقر الأمر لحزب المؤتمر الوطني اشرأبت نفوس كثيرة من داخل الحزب ودُفعت ترشيحات طالت قائمتها للرئيس البشير ليس من بينها صاحب الحظ الفريق بكري، لكن كان هناك رأي آخر للبشير ليستقر الأمر عند المؤسسة العسكرية ورفقاء السلاح. والشاهد أن السودان مثله مثل دول العالم الثالث يتسم فيه بناء المؤسّسة المدنية بالهشاشة، والجيش يكاد يكون دولة مُوازية. وهذا يصعّب وصول حاكم مدني يبسط سلطاته على المؤسسة العسكرية كما هو في العالم الأول. في نهاية المطاف كانت الذهنية العسكرية حاضرة كنتيجة حتمية لكون السلطة والقرار في يد المؤسسة العسكرية والأمنية التي يمثلها الرئيس البشير وأن حزب المؤتمر الوطني ليس إلا مؤسسات شكلية لا يمكن أن تعمل بمعزل عن رغبات البشير.

ولو فكّر البشير بالفعل في التنحي فإن الخليفة لن يخرج من المؤسسة العسكرية، وتشير العديد من الخطوات إلى إن البشير عمد إلى إعداد خليفته منذ عملية التعديل الكبيرة التي أجراها في أواخر العام 2013 .
الرئيس البشير قال عقب أداء رئيس الوزراء الجديد اليمين الدستورية الخميس الماضي وحل الحكومة القائمة لتتحول لحكومة تصريف لأعمال؛ إنه سيتم فتح حوار موسع حول الوثيقة الدستورية، حتى يتم التوصل لدستور دائم للبلاد، يستوعب ضرورات المرحلتين الحالية والمقبلة، مؤكدًا أن خطوة تعيين نائبه الأول رئيسا للوزراء مهمة، وأنه الرجل المناسب لإلمامه بكل ما يدور داخل أجهزة الدولة.
ويبدو أن تشكيل الحكومة الجديد سيمر بمخاض عسير إذ يقتضي تشكيلها توزيع 245 منصبا دستوريا على المستوى الاتحادي والولائي على الأحزاب الأخرى، بيد أنه ليست هناك طريقة لحساب وزن وحجم أي من الأحزاب التي شاركت في الحوار لعدم وجود وحدة قياس لتقدير وزنها السياسي والشعبي

نقلا عن صحيفة الشرق