لا نعيش نحن لأنفسنا وذواتنا فحسب، بل نستمد طاقاتنا من التواصل مع الآخر عطفاً وعطاء.
هذا هو الأصل، ذلك ان قمة الانتماء الإنساني يتجلى في امتلاك السعادة باحساس المقابل لك، فكأنك سعدت وضحكت بهم، كأن شيئاً غير محسوس داخلك!.
اتأمل طويلاً صورة أثيرة لدّي أمسك بها بيد صغيرتي وهي ما تزال في ساعتها الأولى، فكأني كنت امنحها الأمان المبكر للنهوض في هذه الحياة، ولكني قلت في نفسي أليس ذلك مدعاة لتذكر من أمسك بأيدينا لحظة ابصارنا هذه الحياة؟!، وهذا التذكر ألا يدعونا للمزيد من اغراق الدنيا بمشاعر العطاء والبذل والوفاء، بل: أليس ذلك هو من يديم حياتنا ومجتمعاتنا ويجعلها مختلفة عن الأخرى؟!
أي استمرار هذا المسار دون انقطاع يفقده نوره وضياءه وفيوضاته.
تلك فطرة الله التي فطرنا عليها وهدانا لها وشعرنا بالاطمئنان في ظلها، وبالمقابل فان التنكب عنها هو الذي أورث غيرنا الشقاء المتأسس على الجفاء، ويكاد زحف الجحود المعاصر يصلنا!
لقد امرنا بالتجرد من قوتنا وحولنا وربط أنفسنا بقوة الله المطلقة في هذا الكون، ونحن بذلك نمتلىء قوة وقدرة على الفعل على هدى منه تعالى، ولكنها ليست القوة الطاغية ولا المتنكرة لمعنى العبودية ولا القاطعة لكل اواصر الاتصال، بل هي القوة الراشدة الواعية المليئة بالعاطفة الايجابية الجيّاشة والدافعة على البذل والعمل.
فهل منحت نعمة مسك يد غيرك للعبور إلى الضفة الأخرى؟
هل منحت من أمسك يدك بعضاَ من الوفاء؟!
هل تطهرت من شعور التمكن على غيرك حين تملكك الغضب فبدت عليك (أشياء من جاهلية)؟!
ان سؤال النفس هذا السؤال كل يوم هو الذي يمنحنا الامتلاء بالرضا والطمأنينة، وهو الذي يحفزها للبقاء ضمن دائرة الانسانية التي باتت مهجورة وبشكل مخيف… وآن اوان الرجوع إليها بأي شكل من الأشكال.