((طلب بعض الأصدقاء تحليل المشهد السياسي ما بين نموذج ديمقراطية الاحتلال وتطبيقات مفاسد المحاصصة.. وفي هذا الموضوع يبدو من الممكن القول….))
شخص الراحل مام جلال مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ٢٠٠٣.. بكونها نقطة فاصلة في المتغير التاريخي واعادة تأسيس عراق جديد.. تتجسد في تحالف الشيعة والكرد لقيادته…
لا غرابة في إعادة تعيين اعدادات العملية السياسية بذات معايير الاحتلالات السابقة لأرض الرافدين ما بعد سقوط الدوله العباسيه.. مثل الاحتلال المغولي ثم العثماني والصفوي… في التعامل مع الاقطاع الزراعي بنموذجه الثلاثي.. الشيخ والسركال والمهوال.. وربما تحولت غانيات الغجر إلى نموذج الفاشنستات والبلوكر وغيرها من التسميات!!
الفارق الوحيد في نتاج هذا التشخيص المبكر لمام جلال رحمه الله.. ان ازدواجيات ديمقراطية الاحتلال القديم تعامل مع موروث ثقافة غالبة كما وصفها صاحب كتاب خمسة قرون من تاريخ العراق البريطاني لونكريك ستفين همستلي وترجمه المرحوم جعفر الخياط للتعامل مع زعامات قبائل تفرض سيطرتها على الأراضي الزراعية يدفعون الضرائب .. فيما حاول المحتل البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى رسم ملامح عراق اخر.. ما بين الافندية زعماء المدن وتجار الحبوب والتمر وملاك الأراضي بذات نموذج فرض السيطرة ما بعد نشوب ثورة العشرين.. وتواصل هذا التطور في ثقافة الجغرافية البشرية العراقية نحو المزيد من صور (رئيس جمهورية نفسي) ما بعد الاحتلال الأمريكي.. بظهور سلطة الإسلام السياسي بمفهومي البيعة والتقليد وتحول أماكن العبادة إلى مواقع سيطرة السركال والمهوال لاحزاب الإسلام السياسي بمباركة مرجعية ومجتمعية بل وحتى اقتصادية.. تفترض ذات الفهم الإيراني الصفوي او التركي العثماني ان العراق ليس بأكثر من الحديقة الخلفية لامبراطوريتين غرب زمانهما.. تحاول اليوم كل منهما توظيف منطقة الفراغ العراقي لإظهار مصالحهما الإقليمية على ساحة الواقع الدولي من دون أن تكون هناك اية أحزاب عراقية خارج مشروعية ما يسمح به الاحتلال الأمريكي لكلا الدولتين من التعاطي فعلا مع حالة الفراغ العراقي من أحزاب وطنية تطرح مشروعها السياسي في عراق واحد وطن الجميع وتقدم المواطنة الفاعلة نموذجا بديلا عن نظام المكونات وما انتجه في مفاسد المحاصصة!!
هكذا تحولت الاقطاعيات السياسية وفق كل حزب بما لديهم فرحون إلى التعاطي المباشر وغير المباشر مع متطلبات الاحتلال الأمريكي اولا وما يمكن أن يكون للنفوذ الإيراني والتركي امنيا واقتصاديا بل وحتى في ترويج النموذج السياسي لكلا النظامين في الإسلام السياسي بمفهومي البيعة والتقليد.. ولم يعد غريبا ان نشهد من يدافع عن هذين المنتجين السياسيين من تحت ذقن الاحتلال الأمريكي وكل تبجحاته بالديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد وغيرها من الأمور التي تفضح مضمون ما يتكرر عن العداء الإيراني الأمريكي او العداء بين المصالح التركية والمصالح الإيرانية في العراق!!
هذا التطبيق لثقافة الاقطاع السياسي تحول فيه السركال الي جماعات مسلحة داخل الجهاز الحكومي وخارجه لا سلطة للدولة عليه ما دام ارتباط السركال بالشيخ الإقليمي بل وحتى قوات الاحتلال ذاتها.. فالكثير منهم تخرج من معسكر بوكا وغيرها من معسكرات الاحتلال.. واستكملت بتطبيقات المهوال الذي يقبض من المال السياسي المسفوك هدرا من موازنة الدولة.. حتى اضحت نكتة الحديث عن نتاج الفاشنستات والبلوكر مقابل ذلك المهوال الذي يحول اللص والمجرم الى مجاهد في الفواتح والمناسبات الحزبية!!
هل ثمة حلول سياسية؟؟
لا تظهر اية حلول الا بعد الاعتراف ان ثنائية ثقافة الاقطاع للإسلام السياسي بموافقة مجتمعية واقتصادية ومرجعياتهم الدينية المنتفعة من وجود هذا الاقطاع الحزبي.. وما يفرضه الاحتلال من توظيف لكل ذلك في الابقاء على عراق بلا مستقبل الا ما يصب بمصالح الاحتلال وحلفاءه… وعبر وكلاء محليين واقليميين.. لتكرار ابشع ما شهده العراق طيلة عقدين مضت.. وما يمكن أن يكون في الاعوام المقبلة… لفتح صفحة جديدة في مشروع الشرق الأوسط الجديد.
مثل هذا الاعتراف ورد في دراسات مراكز البحوث والدراسات الأمريكية بمناسبة مرور عقدين على احتلال العراق.. وشخص فشل السياسات الأمريكية في العراق.
السؤال هل يتوفر الاستعداد عند الاباء المؤسسين لمفاسد المحاصصة لإعادة تنظيم اعدادات العملية السياسية في عراق واحد وطن الجميع واستبدال نظام المكونات ومفاسد المحاصصة بالمواطنة الفاعلة والحكم الرشيد؟؟
لم التمس مثل هذه الرغبة كليا او فرديا. بل المضي في تطبيقات الاقطاع السياسي بما يحقق متطلبات الاحتلال الأمريكي اولا.. وما يقع في مصالح النفوذ الإقليمي ثانيا.. بلا اي وعي استراتيجي ان ثقافة الاقطاع السياسي… كما فعلت سابقا.. وستفعل لاحقا.. تتطلب وجوب الاستجابة لمتغيرات واقعية أبرزها متطلبات مصالح الاحتلال الأمريكي في الشرق الأوسط الجديد.. واعتبار قفز اي نوع من النفوذ الإقليمي على هذه المصالح ضارا باي ركن من أركان الاقطاع السياسي بمفهومي البيعة والتقليد.
لذلك سوق المتغيرات المتوقعة غير محدود.. ولكل فعل ردود أفعال مقابلة.. تتمثل في ظهور الخط السياسي الثالث عراقيا.. و ردم الفجوة بين أغلبية صامتة واقطاع سياسي لا يعرف غير منهج مفاسد المحاصصة سبيلا لتطبيقات الحكم غير الرشيد.. وللحديث صلة.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!