خاص: كتبت- نشوى الحفني:
اشتدت الهزيمة المدوّية التي مُّني بها حزب (المحافظين) البريطاني في الانتخابات المحلية، مع تأكيد أحدث النتائج فوزًا كبيرًا لحزب (العمال)، خصوصًا في “لندن”، حيث فاز رئيس بلديتها؛ “صادق خان”، بولاية ثالثة.
وفاز العمّالي؛ “صادق خا”ن، السبت، بولاية ثالثة متفوّقًا بفارق كبير على منافسته المحافظة؛ “سوزان هول”، بعد إعلان كل مناطق العاصمة نتائجها في الانتخابات المحلية.
وتعرّض المحافظون الذين يتولون السلطة منذ (14) عامًا في “المملكة المتحدة”، لأسوأ انتكاسة لهم منذ (40) عامًا في الانتخابات التي دُعي فيها الناخبون للتصّويت في انتخابات تشريعية فرعية فاز بها حزب (العمال)، وتزامنت مع اقتراع لتجديد بعض المسؤولين المحليين في “إنكلترا” و”ويلز” وفي (11) بلدية.
وأظهرت النتائج فوز حزب (العمال) بأكثر من (180) مقعدًا ورئاسة (08) مجالس محلية إضافية، فيما خسّر المحافظون نحو: (470) مقعدًا و(10) مجالس محلية على الأقل.
تُعزز الفرص لتولي رئاسة الحكومة..
وتعّزز المكاسب الكبيرة التي حققتها المعارضة العمالية فرص تولي زعيمها؛ “كير ستارمر”، رئاسة الحكومة بعد الانتخابات التشريعية المُّقرر إجراؤها في وقتٍ لاحق من هذا العام.
وقال “ستارمر”، في “مانسفيلد” في “إيست ميدلاندز”، حيث احتفل بانتخاب رئيسة البلدية العمالية؛ “كلير وارد”: “اليوم نحتفل ببداية صفحة تُطوى، وهي إحدى الخطوات الأخيرة قبل الانتخابات التشريعية”.
“سوناك” يُدافع عن سياسته..
ودافع رئيس الوزراء؛ “ريشي سوناك”، الذي يسّعى إلى توحيد صفوف (المحافظين)، من جانبه، السبت عن سياسته، خصوصًا تلك المتعلقة بخطته لترحيل المهاجرين إلى “رواندا” وخفض الضرائب.
وقال إن: “حزب (العمال) لم يفُّز في الأماكن التي قالوا إنهم سيفوزون فيها”؛ للحصول على الأغلبية عقب الانتخابات التشريعية المقبلة، مؤكدًا في مقال نُشر في صحيفة (التلغراف) إن: “(المحافظين) وحدهم لديهم خطة” للبلاد.
لكن الرياح لم تجرِ كما يشتهي حزب (العمال) الذي خسر تأييدًا واسعًا بسبب موقفه الذي اعتبره البعض مؤيدًا لـ”إسرائيل” في الحرب بينها وبين حركة (حماس) في “قطاع غزة”.
لن يُغيّر الانطباع القديم..
واعتبر المتخصص في أبحاث الرأي؛ “جون كيرتس”، في تحليل لصحيفة (آي)؛ أن الحزب استفاد من: “رغبة (الناخبين) في إلحاق الهزيمة بـ (المحافظين)” أكثر من إظهارهم: “الحماسة” تجاهه.
وأضاف: “أن هذه النتائج لن تبُّدد الانطباع الذي تكون منذ فترة طويلة بأن حزب (العمال) يمضي قدمًا للفوز في الانتخابات العامة المقبلة”.
انتقادات بسبب دعم “إسرائيل”..
وتعرض زعيم حزب (المحافظين)؛ “كير ستارمر”، لانتقادات من مسُّلمي “بريطانيا” بسبب دعمه لـ”إسرائيل”، وعدم إدانته بلغةٍ قوية الجرائم الإسرائيلية في “غزة”.
وعلى الرُغم من فوز حزب (العمال) في المدن التي صّوتت بكثافة لخروج “بريطانيا” من “الاتحاد الأوروبي”؛ (بريكست)، مثل “بلاكبول، وهارتلبول، وثوروك، ونونيتون، وراشمور”، وهو ما كان أحد الأهداف المُّعلنة لـ”ستارمر”، إلا أن نسّبة الدعم للحزب تراجعت في المدن الكبرى التي يلعب فيها الصوت المسُّلم دورًا مهمًا مثل “لندن وبرمنغهام”.
انتصارات مفاجئة للمستقلين..
وحقق المرشحون المستقلون في “أولدهام، وبرمنغهام، ووست ميدلاندز”، والذي قاد العديد منهم حملاتهم الانتخابية حول الحرب في “غزة”، انتصارات مفاجئة في المعاقل التقليدية لحزب (العمال)، وفى المتوسط، انخفض التصّويت للحزب بنسّبة (11%)، مقارنة بالانتخابات السابقة في المناطق التي يُشكل فيها المسلمون كتلة تصّويتية مهمة.
ودافع فريق “ستارمر” عن سّعي الحزب لإعطاء الأولوية لاستعادة أصوات المناطق الريفية وأنصار (البريكست) ومعاقل الطبقة العمالية، مشّددين على أن نتائج الانتخابات المحلية عّززت وجهة نظر “ستارمر” أن هذه الاستراتيجية هي الأفضل لعودة الحزب لـ (دوانينغ ستريت) في الانتخابات العامة المقررة نهاية العام.
وقال متحدث باسم حزب (العمال): “إن تحقيق المكاسب هنا يُظهر أن الحزب يسّير على الطريق الصحيح للفوز في الانتخابات العامة، ويعود بقوة إلى خدمة الطبقة العاملة”.
إلا أن الجناح التقدمي في الحزب لم يخفِ قلقه من خسارة أصوات وسط المناطق الحضرية والطبقة الوسطى والمسلمين والشباب، محذرًا من أن هذا قد يُكلف الحزب الأغلبية المطلقة في الانتخابات العامة.
انهيار تمثيل “المحافظين” على المستوى المحلي..
في المقابل؛ لم يستطع حزب (المحافظين) الحاكم بزعامة رئيس الوزراء؛ “ريشي سوناك”، الاحتفاظ بالكثير من المقاعد التي فاز بها الحزب في الانتخابات المحلية السابقة.
وخسر الحزب: (454) مقعدًا في المجالس المحلية، أي حوالي نصف المقاعد التي كان فاز بها في الانتخابات السابقة، وبالتالي إنهار تمثّيل (المحافظين) على المستوى المحلي إلى أدنى مستوى له منذ عام 1998. وزاد حزب (العمال) حصّته في المجالس المحلية: بـ (176) مقعدًا، وحزب (الديمقراطيين الأحرار) حصّته: بـ (101) مقعد، والمسّتقلون: بـ (92) مقعدًا، و(الخُضر): بـ (68) مقعدًا.
ومع ذلك؛ فإن فوز حزب (المحافظين) في مناطق مثل: “تيزفالي” و”ويست ميدلاندز”؛ ضمن لـ”سوناك” على الأقل البقاء كزعيم للحزب حتى الانتخابات العامة، لكن المعضلة أن حزب (المحافظين) ممُّزق إيديولوجيًا بشكلٍ حاد، ما جعل كل محاولات “سوناك” إعادة بناء الحزب وسط معاقله التقليدية تبوء بالفشل، ما يُعزز حظوظ عودة (العمال) للسلطة في “بريطانيا” قبل نهاية هذا العام.
ورحب “سوناك” بهذا الانتصار وهنأ الفائز؛ معتبرًا أن ذلك دليل على أن (المحافظين) لا يزال بإمكانهم تغييّر الاتجاه قبل الانتخابات التشريعية.
وسّاهم ذلك؛ بحسّب وسائل إعلام بريطانية، في تخفيف حدة المعارضة لـ”سوناك” داخل حزب (المحافظين) في الوقت الحالي. وأكدت صحيفة (التايمز) أن رئيس الوزراء: “أنقذ الموقف”.
بينما قال خبير الانتخابات؛ البروفيسور “جون كيرتس”، إن حزب (المحافظين) قد يكون في طريقه لخسارة: (500) عضو في المجلس في: “واحد من أسوأ، إن لم يكن الأسوأ” أداء الحزب منذ (40) عامًا.
وكانت المرة الأخيرة التي تم فيها التنافس على هذه المقاعد في عام 2021، عندما استفاد (المحافظون) من نجاح طرح اللقاح في “المملكة المتحدة”.
إعادة بناء الثقة مع الناخبين المسُّلمين..
وعلى الرُغم من النتائج الإيجابية لحزب (العمال) في انتخابات عمدة “لندن” وفي انتخابات المجالس المحلية، قالت عضوة بارزة في البرلمان، إن حزب (العمال) يجب أن يُعيد بناء الثقة مع الناخبين المسُّلمين.
وأشارت “إيلي ريفز”؛ نائبة منسّق حملة حزب (العمال)، إلى أن حزبها يحتاج إلى إعادة بناء الثقة مع الناخبين المسُّلمين، وسط رد فعل “عنيف” وواضح ضد موقفه من “غزة”.
ويبدو أن موقف الحزب من الحرب بين “إسرائيل” و(حماس) قد أدى إلى تراجع تأييده في المناطق ذات الأغلبية المسُّلمة في الانتخابات المحلية في “إنكلترا”.
وأقرت “ريفز” بأن الحزب أمامه: “الكثير من العمل الذي يتعينّ القيام به”؛ لإعادة بناء الدعم قبل الانتخابات العامة.
وأضافت أن ذلك يشمل ضمان: “فهم الناخبين لموقفنا”.
وفي (58) دائرة محلية حللتها (bbc) – تُمثل نسّبة المسُّلمين فيها أكثر من: (01) من كل: (05) أفراد – انخفضت حصة حزب (العمال) من الأصوات بنسّبة: (21%) عن عام 2021، وهي المرة الأخيرة التي تم فيها التنافس على معظم المقاعد.
ويُعتبر انخفاض ثقة الناخبين المسُّلمين في حزب (العمال) هو الجانب السّلبي الرئيس، نظرًا للأداء الإيجابي العام لحزب (العمال) في هذه الانتخابات، والتي أفضت لحصّده أكثر من: (170) عضوًا في المجالس للسّيطرة على ثمانية مجالس.
ولكن التأثير المحتمل على الانتخابات العامة غير واضح، مع وجود ما يُشير إلى أن أكبر انخفاض لتأييد الحزب يقتصّر إلى حدٍ كبير على المناطق التي كان فيها دعم الحزب قويًا جدًا بالفعل.
ودعا حزب (العمال) إلى وقف فوري لإطلاق النار في الصراع في “غزة”؛ في شباط/فبراير الماضي، بعد شهور من الجدل بشأن موقفه.
وكان موقفه الأولي بعد بدء الحرب؛ والذي دعا فيه إلى وقف القتال لأسباب إنسانية، قد أدى إلى استقالات العديد من أعضاء الحزب من المجالس المحلية.
ويبدو أن انخفاض حصة حزب (العمال) من الأصوات في المناطق التي يوجد بها عدد كبير من السكان المسُّلمين، كان لصالح المرشحين المستقلين الذين يتنافسون في تلك المناطق.
وزادت حصة حزب (الخُضر)، الذي دعا إلى: “وقف فوري لإطلاق النار”، بعد ما يُزيد قليلاً عن أسبوع من بدء الحرب في “غزة”.
وقالت “ريفز”: “نعلم أن أمامنا قدرًا كبيرًا من العمل الذي يتعيّن علينا القيام به لإعادة بناء الثقة مع المجتمعات الإسلامية”.
وأضافت: “أتفهم مخاوف الناس بشأن ما يحدث في غزة. الخسائر في الأرواح هناك ضخمة، ولهذا السبب دعونا إلى وقف فوري لإطلاق النار”.