نتحدث عن الإستبداد والفردية والطغيان , ونمضي في الكلام وكأنهذه السلوكيات في الآخر ولا تمت بصلة إلينا.
ولا أظن المستبد يقبل بالتسمية , فلربما يرى نفسه عادلا ومنصفا ويريد الخير والتقدم , لأنه يعيش في عزلة وينغمس في وهم وإضطراب تفكير , وتصور مؤثر على إستجاباته وتفاعلاته مع ما يُقدم له من الحالات.
والإستبداد يؤسس لحالة إنقطاع ما بين الفرد وواقع الناس , لأن الحاشية تصنع له واقعا يتفق ومصالحها ومكتسباتها الشخصية , وهذا أهم أسباب هلاك المستبدين.
فهل عدنا إلى أنفسنا وفتشنا عن مواطن الإستبداد فينا؟
وهل سيبدو كل واحد منا مستبدا وطاغية؟
وربما نحن مجتمع من المستبدين والطغاة ولا فرق بيننا أبدا!
ففي أكثر ما نقرأه العديد من المفردات التي تحمل في معانيها روح الإستبداد.
أما أساليبنا في الكتابة فيغلب عليها الطابع الطغياني .
وهذا ليس إتهاما ولا تجريما , وإنما وصفا لحقائق سلوكية نمارسها كل يوم , في البيت والشارع والمدرسة والعمل , نعبّر عنها مع عوائلنا وأقاربنا وأصدقائنا وأبناء مجتمعنا.
فالإستبداد عاهة فاعلة فينا , ولهذا فأن لدينا قدرة عالية على تفريخ رموزه والفاعلين بإسمه.
في أكثر ما نكتبه روح إستبدادية كامنة ومؤثرة في صب الكلمات على السطور , وحتى الصور التي تظهر مع ما نكتب , بعضها يعكس السطوة والتشامخ والملامح القاسية المتحدية للإنسان الآخر والمؤكدة للنرجسية وحب الذات.
أما كلماتنا فقد تم قطفها من دوحة الطغيان الغنية بأثمار الظلم والقهر والفتك بالحياة , والتي تتجمع على أوراقها قطرات دماء الأبرياء المحرومين , ولا تعرف الإرتواء بالماء بل بالدماء والدموع , وتتراقص أغصانها على أنغام الحسرات والتوجعات الآدمية.
فكأننا عناوين ذات أحجام متباينة لكنها تشير إلى الإستبداد.
وما أسرعنا لإدانة الإستبداد الذي لا نراه في صدورنا ونفوسنا وعقولنا وسلوكنا.
إستبداد يقيم فينا ويستعبدنا ويسخرنا لغاياته ويفرض إرادته علينا , لكننا ننكره ونتغاضى عنه لأنه فينا , وبما أن القلم يسكب ما فينا , فأن كتاباتنا إستبدادية , وكلماتنا طغيانية , وفي عباراتنا تتوطن معايير ومعاني الإستبداد المشين.
فكلنا طغاة , ومَن لا يجد ذلك في نفسه فليرمي كل طاغية بحجر.
التربية الإجتماعية ذات نوازع ودوافع طغيانية وهي التي تؤهلنا لتمكين الطغاة منا.
إنهم يولدون من رحم المجتمع ويترعرعون فيه , وجميع الطغاة من عوائل بسيطة وعادية , لكنهم إمتلكوا قدرات تحقيق إرادة الطغيان الكامنة في المجتمع.
وما أكثر الكتاب الطغاة , وما أكثر المفردات الإستبدادية , التي نتداولها في كلامنا وخطاباتنا وسطورنا وحتى في أشعارنا وأغانينا.
فنحن مخلوقات إستبدادية , ولا يمكننا أن نتخلص بسهولة من عاهةألإستبدلد , ولن نرتقي إلى تحقيق الممارسات الديمقراطية والسلوك الإجتماعي المعاصر الطافح بالقدرات المتفاعلة الخلاقة , ما دمنا ننتظر إشارة من طاغية لكي نفعل.
ولن يأمرنا الطغاة إلا بالتدمير والمقاساة والتوحل في أطيان المآسي والويلات.
فتحرروا من مفردات الطغيان والإستبداد لكي تصنعوا الحياة الحرة الكريمة.
وعندما ننتصر على الطغيان الذاتي الفاعل فينا , عندها سنتمكن من فتح أبواب الحرية الصالحة للحياة الكريمة.
فهل سننتصر على معاقل الطغيان القائم فينا؟