18 ديسمبر، 2024 9:12 م

“11 سبتمبر” الروسية

“11 سبتمبر” الروسية

 

النسخة الروسية من 11 سبتمبر، التي ظهّرها تنظيم “داعش خراسان” بمهاجمة قاعة كروكوس، خلال حفل موسيقي في منطقة كراسناغورسك شمالي غربي موسكو، أثارت العديد من التساؤلات الخاصة والعامة عن دوافع تلك العملية، وقد نشرت وكالة “رويترز” تفاصيل قالت فيها: أن المشتبه فيهم وصلوا إلى موسكو عبر تركيا.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي فاز مؤخرًا بالانتخابات بنسبة 87% من الأصوات، أن العالم الإسلامي نفسه يعاني من أيديولوجية هؤلاء، لكنه استدرك بأن هذا الهجوم يتّسق مع حملة أوسع من تهديدات أوكرانيا لبلاده.
فهل مثل هذه العملية الكبرى إعلان جديد عن بدء نشاط موسّع ﻟ “داعش” وأخواتها؟ علمًا بأن “تنظيم القاعدة” أعاد نشاطه هذه الأيام في اليمن، وتمّ اختيار رئيس جديد له بعد مقتل خالد باطرفي زعيمه في العالم، والمدعو سيف العدل في مأرب.
والسؤال الأكبر، هل “داعش” غبّ الطلب؟ فهو يغيب ويظهر، ثم يعود ويختفي، وهل هدف “داعش” إذكاء نار الصراع بين روسيا والغرب؟ ثم كيف يتحرّك أنصاره؟ وثمة سؤال جوهري؟ لماذا لا يقدم “داعش” على أي عملية ضدّ “إسرائيل”؟ وهي تستبيح دماء أهل غزّة وتدنّس القدس وترتكب أبشع المجازر في فلسطين؟
وكانت السفيرة الأمريكية في العراق ألينا رومانوسكي قد صرحت: أن “داعش” ما يزال يمثّل تهديدًا خطرًا في العراق، فهو يقوم بأعمال التجنيد والدعاية، وأعتقد أن ذلك بحكم وجود بيئة حاضنة وأخرى منتجة وثالثة مساعدة، خصوصًا باستخدامه منصات العمل الرقمية، ناهيك عن متعاونين معه يمهدون السبيل للقيام بمهماته، لاسيّما في ظل استمرار الحروب والنزاعات الأهلية في كل من اليمن وسوريا وليبيا والسودان، وهشاشة الدولة في لبنان والعراق بفعل أنظمة المحاصصة، ووجود ثغرات أمنية عديدة بما فيها الفساد المالي والإداري وتجارة المخدرات والإتجار بالبشر وتجارة السلاح، وهذه كلها عوامل مترابطة ومتشابكة مع أعمال الإرهاب.
فهل استفاق “داعش” حقيقةً في العراق وسوريا؟ وثمة مخاوف أن يستيقظ في لبنان في ظلّ أزمته الاقتصادية الخانقة، والاستهدافات “الإسرائيلية” المستمرة، وغياب الوحدة الوطنية، وعدم التوصّل إلى اتفاق لانتخاب رئيس للجمهورية.
الأساس في تفقيس بيض الإرهاب، هو بيئة التعصّب، سواءً كانت دينية أم طائفية أ إثنية أم لغوية أم سلالية أم فكرية أم اجتماعية، لاسيّما في ظل الفقر والتفاوت الطبقي، وتفشي ظواهر الأمية والتخلف، وانتشار السلاح وضعف الدولة، ووجود مرجعيات موازية لها أو فوقها، ناهيك عن تسهيلات دولية تستقطب بعض الجماعات الإرهابية لمصالحها الخاصة.
التطرّف ابن التعصب ونتاجهما العنف، وهذا الأخير يستهدف الضحية بذاتها ولذاتها، وإذا ما ضرب عشوائيًا وأصبح عابرًا للحدود، بقصد إضعاف ثقة الدولة بنفسها وثقة المجتمع والفرد بالدولة، صار إرهابًا دوليًا، والإرهاب الدولي يخضع للقوانين الدولية، إضافة إلى القوانين الوطنية، لاسيّما بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، إضافة الى جرائم العدوان وتهديد السلم والأمن الدوليين.
إن جريمة موسكو الإرهابية هي امتداد لعدد من جرائم العصر الإرهابية الكبرى، ولعل أبرزها اليوم جريمة الإبادة الجماعية، التي تمارسها السلطات “الإسرائيلية”، التي تمثّل إرهاب الدولة ضد سكان غزة الأبرياء العزل، حيث تتحدّى “إسرائيل” قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، وآخرها قرار وقف إطلاق النار، وتضع نفسها كدولة خارجة عن القانون ومارقه وإرهابية بامتياز.
وبغض النظر عن الروايات المتعددة، فالمؤكد أن تنظيم “داعش” وأخواته، ما زال يعمل في العديد من البلدان، مستغلًا ثغرات أمنية لتنفيذ مخططاته الجهنمية، وغالبّا ما تنقلب هذه المنظمات الإرهابية على صانعيها، فقد انقلب تنظيم المجاهدين الأفغان، الذي أصبح تنظيم القاعدة على عدد من الدول الغربية والإسلامية، التي ساهمت في إنشائه ليقوم بمهمة مواجهة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان بعد غزوها العام 1979، لكن التنظيم، برئاسة أسامة بن لادن، استدار بمواجهاته وخططه الاستراتيجية، فاختار برجي التجارة العالمية في نيويورك، في عملية غير مسبوقة، وكان ذلك بداية مرحلة جديدة للإرهاب الدولي منذ العام 2001، وبدأت مرحلة لاحقة بعد احتلال الولايات المتحدة أفغانستان في العام نفسه، ومن ثم احتلال العراق في العام 2003، ليتم تفريخ التنظيم إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، الذي احتل في العام 2014 الموصل وثلث الأراضي العراقية، كما احتل ثلث الأراضي السورية واختار الرقة عاصمة له.
الجدير بالذكر أن تنظيم “داعش خرسان”، كان قد نفذ هجومًا في مطلع شهر كانون الثاني / يناير 2024 في كرمان بإيران، في ذكرى مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وأسفر الهجوم عن مقتل 103 أشخاص.
وبعيدًا عن الاتهامات المتبادلة بمن يقف وراء “داعش” ويسهّل مهماته، فإن “الثقب الاسود” ما يزال موجودًا، والعالم بحاجة إلى الكشف عنه، وبالتالي علينا فهم طبيعة هذه الحركات، وماذا تريد؟ وكيف تعمل؟ وما هي سبل مواجهتها؟ فليس بالسلاح والأمن حسب، لأنها حركات تعتمد على الإرهاب والعنف كنظرية عمل، وبالتالي لابدّ من تفكيك وفضح منطلقاتها الفكرية، وسدّ الثغرات التي تعاني منها مجتمعاتنا، بغض النظر عن أنظمتها، ولاسيّما باعتماد معايير المواطنة المتساوية والمتكافئة، واتباع خطط مناسبة لمواجهتها، والحيلولة دون تمكينها من تجنيد الشباب، فضلًا عن الاهتمام بوسائل القوة الناعمة لرفع درجة وعي المجتمع وتعزيز مناعتها.