الموقف العام في المنطقة
في هذه الأيام تبدو إسرائيل قد إستعدت لتنفيذهجمة برية على مدينة “رفح” المعقل الأهم والأخيرلمجاهدي حماس والجهاد، رغم توقّعها مقاومة أعنف وأعظم دموية بحق جيشها الغازي.. في حين نتلمس شبه توقّف لضربات فصائل المقاومة نحو القواعد الأمريكية في كل من العراق وشرقي سوريا، على إثر الردع الأمريكي المُنجَز ازاء قادة تلكم الفصائل المرتبطة بإيران… في حينظلّت فعاليات جبهة هضبة الجولان السورية المحتلة ضئيلة منذ 8 أكتوبر 2023 رغم تزايد الإستهدافات الإسرائيلية اعلى الأرض السورية التي ما زالت تحت سيطرة نظامها، ومصرع العديد من القياديين والمستشارين الإيرانيين واللبنانيين، وقد سبقها منع عدد من المطارات الدولية من مواصلة العمل بأريحية سلسة، مع إكتفاء دمشق بالإستنكار والوعيد بأنها ستردفي المكان والزمان المناسبين.
وفي البحر الأحمر وخليج عدن لم يستطع تحالف “حارس الإزدهار” بزعامة أمريكية ردعَ الحوثيين من شن المزيد من الضربات المؤذية والمزعجة على السفن التجارية والحربية وحركة الملاحة الدولية، فإننا نتلمّس تصعيدات خطيرة في المواجهات اليومية التي باتت تسجل العديد من القصفات على عشرات الأهداف العسكرية وذات الطابع المزدوج بإستثمار الطرفين أسلحة برية ثقيلة، وإستثمار إسرائيل لمقذوفاتها الذكية والمحمّلة على طائراتهاالمأهولة والمُسَيّرة وقواتها البحرية.
وهنا نأتي على الإنذار الإسرائيلي نحو حزب الله اللبناني المطيع لراية الجمهورية الإسلامية وحرسها الثوري منذ تشكيله الحزب سنة 1982، لسحب قواته إلى شمالي نهر الليطاني تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 لسنة 2006، وإلاّ فانها سترغمهم عليه بإستثمار القوة العسكرية، رغم الدعوات والرجاءات التي تمارسها واشنطن وأتباعها على تل آبيب.
ولكن السؤال الذي يفرض ذاته:- هل يمكن إعتبار الإنذار الإسرائيلي جدياً قابلاً للتنفيذ؟ أم هو مجرد عرض عضلات يتبع سياسة التلويح بإستخدام القوة المسلحة؟؟
فالشكوك تفرض ذاتها بأنالإنذار ليس بتلك الجدّيةالعالية ، لأسباب عديدة، أولها أن إسرائيل ما زالت تحاول إنهاء حربها على قطاع غزة التي قاربت شهرها السادس، لذا من المنطقي أن لا تقدِم على فتح جبهة حرب مستدامة قد تطول فترهق قواتها المسلحة وإقتصادها المُتعَب... وثانيها أن حليفة إسرائيل وداعمتها الأمريكية تبدو غير راضية أو مؤيدة لهذه الخطوة الخطيرة، والتي يحتمل معها أن تُغضِب إيران فتتحرك وتسند حزب الله وشبيهاتها، فتولج واشنطن في هذا الصراع... وثالثها أن حزب الله اللبناني يُعَدّ الذراع الأقوى والمدعوم الأخطر من إيران في عموم المنطقة، وقد أغدقت لتأسيسه وتنظيمه وتمويله وتسليحه وتجهيزه وتطويره عشرات المليارات فأوصلته إلى مستوى رصين وفعال ورادع، ومن الواجبأن تقف إلى جانبه بقوة السلاح أكثر من أي فصيل آخر يرتبط بها في الشرق الأوسط، ولذلك يتوقع أن تأمر فصائل المقاومة العديدة الأخرى المنتشرة في البقاع السورية للتحرك كلٌ في ساحته دعماً لحزب الله، وبذلك تتعدد الجبهات المفتوحة على إسرائيل والقواعد الأمريكيةبشكل قد تربك القيادة الإسرائيلية وتحرجها.
ولكن من ناحية معاكسة، نرى أن إسرائيل طوال تأريخها، بعد أن تقوّت منذ الخمسينيات وفاقت بقدراتها العسكرية الدول العربية المحيطة بها، أنها تحقق تهديداتها بإستثمار قواتها ذات القدراتالفائقة، إذْ لا ننسى إحتلالها صحراء سيناء في غضون 4 أيام من أكتوبر 1956، وإحرازها ذلك الإنتصار المُذهِل في حرب الأيام الستة في حزيران 1967 فحسب، بل وحتى حينما بوغتت للمرة الأولى بتأريخها في حرب رمضان 6 أكتوبر 1973، وإنهاء نتائجها لصالحها في غضون 3 أسابيع علىالجبهتين السورية والمصرية وأرغام مصر وسورياعلى وقف النار والجلوس على طاولة مفاوضات إنتهت بقبولهما شروطها لإحلال السلام النسبي معهما.. والثانية يوم مباغتة “حماس” الجريئة لها بعملية طوفان الأقصى فجر يوم 7 أكتوبر 2023، والتي بعده بيوم واحد فقط أعادت مبدأ المبادأة/المبادرة بين أيديها، جاعلاً حماس يتخذ وضع الدفاع ويفقد الكثير لغاية يومنا هذا.
جدية الإنذار الإسرائيلي
ولتلك الأسباب وعوامل مؤثرة أخرى يطول تفصيلها في هذه السطور، نرى الإنذار الإسرائيلي أقرب ما يكون إلى الجد بشكل يفوق مجرد التهديد والتلويح بإستخدام القوة، للأسباب الأتية:-
الخاتمة
لا يحتمل أن ترضى إسرائيل سوى بتحقيق ما تحاول فرضه على حزب الله اللبناني الذي لا يمتّ إلى دولة لبنان المتراجعة سوى بالإسم... مع التذكير بأن أنباءًغير مؤكدة تشير إلى إستعداد قادة الحزب إعلان وقفللقتال ونزع للسلاح في جنوب لبنان وعدم توريطه في حرب غير متكافئة باهظة الثمن ومعلومة النتائج، والرضا بعمل قوات “يونيفيل” هناك تحت الرايةالأممية بالمشاركة مع وحدات الجيش اللبناني قبل المباشرة بالترسيم النهائي للحدود البرية... ولكن تل آبيب إسرائيل ما زالت تصرّ على ضرورة تسليم حزبالله اللبناني جميع أسلحته إلى الجيش اللبناني قبل الجلوس للتفاوض على إبرام أية إتفاقات مع الحكومة اللبنانية، وهذا ما زال يُؤزم المواقف المُتَضادّة بين الطرفين لإحراجاته البالغة لقادة حزب الله وإيران.