إن الافتراضات التي تقدمها القراءة ومديات تأصيلها كسدى معرفية وجمالية.. تتحكم بالنص الشعري من الناحية الاجرائية، وتعيد بناء بناه المشكلة في أفق الجنس والتاريخ والنظرية الادبية، وتفرض هيمنتها وألياتها الاجرائية وتعيد تنظيم المرتكزات التي يقوم عليها، عندما تنزاح القراءة الى مديات اخرى، تخلخل التماسك النصوصي الذي كان يوحيه النص، من خلال اعادة تنظيم دلالاته التي ستقدم النص بصورة اخرى، مختلفة ومتغيرة، تكسر ربما سكونية البناء النصوصي السطحي الذي اجترحته رؤية الناص المبنية على مرجعياته الثقافية والفكرية..
بهذه الرؤية سأحاول الدخول الى ديوان الشاعر فليحة حسن (ولو بعد حين) واختار نصا تطبيقيا يمثله وهو نص (تعويذة) ففيه تتخفى الذات الانثوية وراء لغة محايدة، إذ ليست هناك ملامح واضحة لصوت (انا النص)، يجعلنا نجنسه، إن كان ذكرا او انثى، غاضين النظر عن المتعالية النصية المقترنة بأسم الشاعرة على غلاف المجموعة، اذ نريد ان نحاكم هذا النص وفق المقاربات التي يوجدها، لنحاول ربما الوصول الى الكينونة الانثوية المموهة، خلف خطاب النص، ومحاولة فك الانساق التي تهيمن عليه.
فالانا التي هي (انا النص) والصوت الذي يشكل البنية الخطابية للنص، لا يظهر الا بالاصطدام بالاخر، حيث ان التعابير التي تنبني عليها الجملة الشعرية، محايدة تماما الى ان تصل الى الضمير الذي يدل على الاخر، والذي يتبدى من خلال كلمة (بشذاك) اي (شذى + انت)، حيث ان مفردة لملمت او مساماتي، وحتى الفعل (اتيت)، والتي ارتبط بأنا النص، لايمكن ان يتبين ماهو جنس المتكلم، إلا بأفتراض ان الكلام موجه الى ذكر، اذن ان المتكلم الذي يمثل انا النص هو انثى، وهكذا يستمر على طول النص، بغياب الذات او الهوية الجنسية لصوت (انا النص)، ورغم محاولتنا تحييد المتعالية النصية التي تمثل اسم الشاعرة على غلاف المجموعة، إلا اننا نسير وفق هذا المهيمن او الموجه الدلالي الذي يجعلنا نستقطب كل الدلالات لتدور في هذا الفلك، صانعة لها فضاءاً تناوبياً بين أنا الانثى – انت الذكر والذي سيفك النص، ويبني رؤية متحكمة بتلقينا، لكن النص سرعان ما يغلق هذه النافذة التأويلية، من خلال استخدام صيغة المذكر او بالاحرى الصيغة المحايدة التي تحكم النص (واني طليق الا من ذاكرتي)، ربما توحي هذه العبارة او بالتحديد (واني طليق) ان المتكلم ذكر والذي سيسقط المرتكز البنائي الذي شيدناه سابقا من خلال التأويل، لكن تحليللنا لمرتكزات النص وبناه الدلالية، ومحاور اداء البؤر المكونة لابعاد النص سيميائيا ودلاليا، سيرينا ذلك الافتراض ان تحليل الدلالات التي تبني النص وعلاقاتها مع بعضها والبنية المرجعية المتحكمة بفضائها، وإن العلاقة بين (لملمت مساماتي/ واتيت) مثلا، تسير وفق توجه خطابي واحد صادر عن ذات (انا النص) حيث ترتبط تلك الدلالات بذلك التوجه، وايضا يلعب الفعل (أعطرها) دورا رابطاً بين قطبي هذه العلاقة، حيث يجمع مابين (انا) في (لملمت، مساماتي ، اتيت) مع الاخر الذي هو (انت) ضمير المخاطب في (شذاك)، وتستمر هذه اللعبة العلائقية مع باقي دلالات النص كما في:
لكني تفاجأت بأنك دفلى؛
………………… وانا في ذاكرة الهم
حيث نرى بأن تلك الانا لازالت محافظة على نفس الارتباط حيث تظهر من خلال (تفاجأة) وكذلك (انا) في الشطر الثاني، وانت هنا تظهر من خلال (انك)، وهنا في هذا الموضع يقيم النص علاقة تقابل مابين تلك الانا والانت من خلال (دفلى) و (ذاكرة الهم)، وهذا التقابل ليس تقابلا مباشرا وانما يبنى على سدى العلاقات السابقة بين الانا والانت حيث ان الدفلى مثلت الانت وهي وجود مصان بينما ذاكرة الهم مخترقة..
اما في:
أخط ملامح ليست تشبه الا انت
وللصورة ابعاد
في هذا الموضع يضعنا النص في اشكال، هو علاقة ما تطرقنا اليه سابقا وايضا تعبير (أخط ملامح ليست تشبه الا انت) حيث ان العلاقة بين (انا – انت) كما اجترحناها سابقا لازالت موجودة بيد ان الاشكال هو بحيادية (للصورة ابعاد) فما هي هذه الصورة وماهي ابعادها، ولذلك نجترح تأويلا لهذه الاشكالية من خلال اعتبار ان العلاقة مابين انا – انت هي الصورة ولهذه الصورة ابعادها، التي ظهرت لنا سابقاً، وستظهر لنا لاحقاً، ولنتقصى تلك العلاقات بينهما على طول النص، فسيظهر لنا الانا من خلال (لي، يخالطني، تعبرني)، وانت (نحوك) حيث تمثل هذه الدلالة علاقة ارتباطية جامعة بين الانا والانت، بأعتبار ان تعبير (نحوك) هو مختص بأنت، بيد انه يخفي وراءه في تركيبته الانا، ونلاحظ بأن:
انا في زاوية الهم،
أحسب توقيتاً قدرياً
لتفاصيل لا تحدث أبدا
هي مجرد دلالات تظهر صورة الانا الى ان يصل النص المقطع التالي:
تدنو الصورة
احدثها
عن اطنان الهجر القابع فوق فصولي
هنا يخرج النص من اطار تلك العلاقة القائمة بين الانا والانت المكونين للصورة وابعادها حيث ان ما سيأتي لاحقاً بعد تعبير (تدنو الصورة) هو عبارة عن النظر الى الصورة/ العرقة من الخارج، وعدم الاشتراك معها، حيث تمثل تلك العلاقات اتجاها اخر غير ماظهر لنا في العلاقات السابقة التي كونت الصورة، وهي ربما علاقة وصفيى لما توحيه الصورة وابعادها، اذا هناك ثلاث حركات للنص: الحركة الاولى هي بناء الصورة، الحركة الثانية هي حاضنة الصورة، ثم الحركة الثالثة وهي التعامل مع تلك الصورة وايحائيتها..