فيما يطالب الرأي العام العراقي، إلى ضرورة تقارب الفعاليات السياسية للتفاعل مع جهود الحكومة لإعادة الإعمار وتحقيق السلم المجتمعي والاستقرار الاقتصادي والأمني. أيضا، تسريح ودمج الميليشيات الشيعية القوية، التي تشكلت خلال القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في قوات الجيش والأمن العراقية، يواجه العراق توترات مستمرة بين قوى الإطار التنسيقي و “الحكومة المركزية” من جهة، وبينها وحكومة إقليم كردستان شمال العراق، التي تضغط لتحقيق ما تم الاتفاق عليه مع الإطار قبل تشكيل حكومة السوداني من أجل قدر أكبر من المكاسب والحكم الذاتي. كما يواجه منذ بدء حرب “الإبادة الجماعية” التي يمارسها الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة واستمرار قتله للأبرياء في الضفة الغربية، تحديات بشكل كبير، بسبب استهداف القوات الأمريكية في غرب وشمال البلاد، من قبل الجماعات المسلحة الموالية لإيران، وتصعيد القتال ضدها والمطالبة بطرد التحالف والقوات الأمريكية من العراق. وكان الجيش الأمريكي قد قام رسميا في أواخر أبريل 2018، بحل القيادة التي تشرف على القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، معلنا انتهاء العمليات القتالية الكبرى ضد الجماعة. وبقي ما يقرب من 2500 جندي أمريكي في العراق بدعوة من الحكومة العراقية كجزء من مهمة لتدريب وتقديم المشورة ومساعدة الجيش العراقي في مكافحة الإرهاب المحلي. إلا أن ما يسمى بفصائل المقاومة العراقية تعتبر الوجود الأمريكي في العراق مدعاة لعدم الاستقرار.
وفيما تشهد الساحة العراقية إلى العديد من التوترات الطائفية المستمرة بين المنظومات السنية والشيعية والكردية من جهة، فضلا عن توتر العلاقة بين القوى الكردية في شمال العراق والحكومة المركزية في بغداد من جهة أخرى. يتعرض العراق إلى التفكك وتفاقم الوضع وصعوبة إيجاد حلول موضوعية للازمة العراقية برمتها. بيد أن تفاقم التوتر الطائفي سوف يبتلي المنطقة لسنوات قادمة، وربما يتوسع إلى صراع بالوكالة بين مختلف المجموعات الدولية، يهدد الاستقرار في المنطقة والعراق إلى تحديات خطيرة.
وكان السوداني قد وعد بإعادة البلاد إلى الحياة الطبيعية واتخاذ نهج مدروس من خلال التعبير عن رغبته في مكافحة السلاح المنفلت ومحاربة الفساد وتطبيق العدل والقانون مع تحقيق سياسة “التوازن والانفتاح” المجتمعي بما في ذلك تأمين حقوق المواطنين وحرية التعبير والرأي. لكن وللأسف لم يجر تحقيق شيء من هذا القبيل… قد يكون السوداني وحكومته، معذورا، في ظل تراكم التحديات والتوترات الداخلية والخارجية. لكن العراق مع عودة جرائم القتل السياسي من جديد: يبدو لا عدالة فيه لمقتل متظاهري تشرين، ولا لغيرهم من المواطنين الأبرياء. فيما يتم انتهاك وعود المساءلة مع إطلاق سراح القتلة المرتبطين ببعض الفصائل المسلحة والقوى والأحزاب السياسية…
منذ مجيء طبقة سياسية عام 2003 لاستلام السلطة والدولة معا، لا زال العراقيون يحلمون بالأمن والاستقرار والحياة الفاضلة بعد أربعة عقود على نظام حكم بعثي ديكتاتوري، كانوا يعانون من ويلاته وحروبه والظلم والتشريد والتمييز… ستة عقود عجاف “نام القانون وصانع القرار” على أنقاض ماض لم يتسامح مع مواطنيه وإنصافهم، على الأقل، تحقيق الأمن والاستقرار ونكث دوامة الرعب والخوف عن كاهل مواطنيه. أو العمل على إنشاء عقد اجتماعي يرتقي بمستوى الاحتياجات العامة للدولة والمجتمع ويلغي عقدة تأنيب الضمير في عصر جديد. لكن على ما يبدو، أن حالات محددة من جرائم الاغتيال والخطف والاعتقال تعود من جديد إلى الواجهة السياسية في العراق، استهدفت نشطاء مدنيين وشخصيات وطنية وديمقراطية ومثقفين وإعلاميين وأصحاب فكر، دون معرفة المنفذين ومن يقف ورائهم، وغالبا لا يخضع الجناة للمساءلة.
فما أن تتوقف جرائم قتل سياسي على يد أفراد وتنظيمات مسلحة، وتهدأ لفترة قصيرة الأزمات المعيشية التي يعاني منها المجتمع العراقي، إلا وتعود أعمال العنف والقتل والتفجير والهجمات الصاروخية من جديدة، مستهدفا بالدرجة الأولى المدنيين. وليس خافيا أن القسم الأكبر من هذه الأعمال تقوم بها عصابات منظمة، تهدف إلى تعميق الشرخ الطائفي، الذي نشأ مع فشل تام للتجربة السياسية واشتداد الصراع على السلطة وغياب القانون وانتشار الفساد وانهيار شبه كامل للخدمات، مثل الماء والكهرباء والقطاع الصحي، وتدهور القطاع التعليمي وتفشي البطالة والفقر واستمرار مخيمات المهجرين. فيما شجع الإفلات من العقاب القتلة ومن يقف ورائهم على المضي في جرائم القتل السياسي والتمادي في زرع الفوضى وانتهاك القانون وتهديد أمن المواطنين، وفتح الأبواب على مصراعيها لارتكاب المزيد من الفساد وسرقة المال العام وممتلكات الدولة والاستحواذ على عقارات المواطنين تحت أساليب التهديد والابتزاز والقتل.
لكن السؤال: ليس، لماذا وكيف عادت القوى الظلامية لأساليب القتل من جديد؟. إنما السؤال من يقوم بتحريض هذه القوى المجهولة مدفوعة الأجر، على تنفيذ جرائم اغتيال سياسي في العراق!. على الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تقع مسؤولية نشر معلومات لجان تقصي الحقائق في عمليات القتل والاختطاف والترهيب التي تطال العديد من المواطنين، ووضع خطوات واضحة تقلل من العقبات البيروقراطية التي تحول دون الوصول إلى المعلومة. أيضا، حث السلطات القضائية على نشر معلومات حول وضع التحقيقات الجارية لملاحقة مرتكبي أعمال العنف التي تعرض لها المواطنون. وبالتالي فإن هذه الجرائم البشعة، هي امتداد لكل جرائم القتل المنظمة بحق العشرات من الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين العراقيين، مما يتوجب على رئيس الوزراء، أن يعمل على تحقيق العدالة التي لم يحققها أسلافه.