في اي بلد من بلدان الدنيا، ممن تلك التي تحترم الحكومات نفسها وتحترم مواطنيها وتشعر بثقل واهمية المسؤولية، لو حصل جزء مما يحصل في العراق من ماسي وكوارث وويلات لتم اعلان الحداد العام، وسادت اجواء الحزن، وغابت اجواء الفرح.
ولا اعتقد ان بلدا مثل العراق يعيش كل هذه الماسي والكوارث والويلات، ويتصرف سياسيوه ومن بأيديهم زمام الامور، ووسائل اعلامه-لاسيما الرسمية منها-وكأن ازهاق كل هذه الارواح وسفك كل تلك الدماء يحصل ليس في بلد اخر وانما في كوكب اخر!
ولان العراق بات يشكل استثناء في كل شيء فأنه في الوقت الذي تحصد عشرات السيارات المفخخة ارواح المئات من الناس الابرياء، وتقطع اشلاء المئات، لا نجد مظاهر الحزن والالم الا لدى من طالتهم نيران الارهاب الدموي الاجرامي، ومساواهم غير مستعد ان يغادر اجواء فرحه، حيث الانا تعشعش في اعماق نفسه وقلبه وروحه، دون ان يفكر ولو قليلا ان لهيب النيران الذي يحرق اليوم اناسا في بلده ومدينته والشارع الذي يسكن فيه يمكن تطاله غدا او بعد غد.
في الوقت الذي حصدت السيارات المفخخة والانتحاريين الارهابيين ارواح الناس الابرياء في عراقنا المنكوب، لم يطل علينا اي مسؤول سياسي او امني ليقول انه مقصر وانه يتحمل جزءا من المسؤولية، ويعلن تنحيه عن منصبه، ولم تكلف قناة العراقية الفضائية الممولة من المال العام ان تضع شريطا اسودا كشارة الى مشاركتها العراقيين المنكوبين احزانهم، ولم تكلف نفسها ايقاف برامج الرقص والغناء والفرح والسرور، ولم يوعز كبار اصحاب القرار الى المسؤولين التنفيذيين فيها الى التوقف عن توزيع العيديات على منتسبي الدفاع والداخلية، ليلتفتوا الى واجباتهم ومسؤولياتهم الحقيقية.
من يتابع قناة العراقية الفضائية لا يشعر انها الوسيلة الاعلامية المرئية الاولى في بلد لا يكاد يمر عليه اسبوع الا وتصطبغ اسواقه وشوارعه وملاعبه ومقاهيه بألوان الدماء.
حصة ضحايا الارهاب الدموي من ساعات بث العراقية الفضائية، دقائق قليلة في نشراتها الاخبارية ليس الا، لتبقى مسيرة الرقص والغناء ومظاهر الابتذال الاخرى قائمة لأتوقف فيها.