14 نوفمبر، 2024 9:37 م
Search
Close this search box.

رواية “دونت سبيك سيطب”.. معايشة أمان الطفولة والاحتفاء بالذات

رواية “دونت سبيك سيطب”.. معايشة أمان الطفولة والاحتفاء بالذات

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “دونت سبيك سيطب” للكاتب والناقد العراقي “سلام إبراهيم” تحكي عن ذكريات النشأة والطفولة في الوطن، واكتشاف العالم المحيط وتفاصيله.

الشخصيات..

عبد سوداي: الأب، يصفه الكاتب، ويرصد تفاصيله، من خلال رؤية الابن المحب، الذي يحتفظ بصورة الأب داخله واللهفة والحنين إليها، لكنه مع ذلك يقدم معها رؤية المحيطين له ويرصد أفعاله النضالية التي أشاد بها بعض أفراد اليسار.

عليه عبود: نموذج للأم العراقية الصابرة علي تزاحم الكوارث، وعلى فقدان الأبناء والأحفاد بطرق وحشية وغير إنسانية، تحملت الفقر، وصعوبة تربية أبناء كثيرين، تحملت غياب الزوج رغم حضوره، حيث أن مواقفه من الحياة ضيقت سبل العيش أمامه. واستطاعت أن تعلم أبناءها وتربيهم بقوة إرادة وصلابة شجرة راسخة في الأرض بجذور ممتدة.

البطل: البطل هو الكاتب والراوي، مما يجعلنا نصنفها كسيرة ذاتية، لكنها أيضا رواية كاشفة عن تفاصيل كثيرة وحميمية داخل المجتمع العراقي علي مدار سنوات طويلة.

هناك شخصيات كثيرة تزدحم بها الرواية، أفراد ينتمون لحركة اليسار، وأفراد من أقارب البطل، ومعارف تقابل معهم علي مر الزمان، وكلهم يحكي عنهم البطل من خلال تعامله وتقاطعه معهم في أحداث ومواقف.

الراوي..

الراوي هو الكاتب والبطل، ويصرح بذلك في جنبات الرواية، يحكي من منطلق الحنين لفترة الطفولة واكتشافاتها، ويبحث جذور تكون شخصيته، وربما يعلن اشتياقه لوطنه ولأمه وأبيه ولفترة البراءة الأولي.

السرد..

الرواية تقع في حوالي ٤٤٤ صفحة من القطع  المتوسط، تبدأ من الوقت الذي ذهب البطل فيه إلي وطنه، وعند زيارته الأولي لمسقط رأسه، بيت والديه ومنطقته التي تربي فيها طفلا، يستعيد فترة طفولته وحكاياته مع الأسرة والعالم المحيط. يقسم الكاتب الرواية إلي أقسام لها عناوين مميزة تنتهي بقسم عن الموت. والرواية انتهت نهاية مفتوحة مرتبطة باستمرار حياة الكاتب، قد يبدو أنه حكي بشكل تصاعدي عن طفولته إلي أن كبر، لكنه بشكل دقيق تناول الحكاية من خلال المواقف والعناوين الكبرى.

الحنين الحارق..

تبدأ الرواية بحنين حارق يشعر به البطل حين دخل لأول مرة وبعد سنوات ثقيلة من الغياب، يتقفى أثر والده ووالدته، ويشعر بحضورهما ورائحتهما.  حنين عميق لفترات الأمان والسكينة والعيش في ظل الأسرة. ثم نتعرف علي شخصيتي الأب والأم تعجبنا التفاصيل المزدحمة والحميمية. مع خلفية الأحداث السياسية التي تحدث في العراق ويراها البطل من خلال نظرة الطفل الصغير.

الاكتشاف..

ثم نتتبع مع البطل اكتشافات الطفل، التعرف علي الحميمية الجسدية، التعرف علي جلسات المثقفين والكتاب، التعرف علي العالم الخفي للنساء اللاتي يبعن أجسادهن. مشاهدة نماذج من الشخصيات التي لكل منها تميزه مثل الحلاق المثقف، المدرس المتشدد والعنيف، النجار الذي يتمتع برؤية وثقافة في حياته، النساء اللواتي رغم بساطة حياتهن إلا أنهن يناضلن بطرقهن الخاصة.

الاعتقال والقتل..

تناولت الرواية تجارب الاعتقال للبطل ولشخصيات أخري، يحكي عن نضال مشرف لشخصيات ومنها أبو البطل نفسه الذي اكتشف في شبابه أن لوالده موقف نضالي شهير جعله يفتخر به إلي جانب محبته العميقة له، نضال قوي لأفراد اليسار والشيوعيين العراقيين، والمعروف عنهم صلابتهم وقوتهم في مواجهة سلطة غاشمة وقوية. رصدت الرواية كم ومقدار العنف الذي كان يمارس في السجون والمعتقلات ولكن ليست تفاصيل دقيقة لأن الكاتب أعلن عن عدم رغبته في رصد التفاصيل الدقيقة، لكن يفهم من السرد مدي قسوة السلطة في التعامل مع المعارضين.

أكثر ما يوجع القلب هو تعامل الأم مع مقتل ابنها الذي لم تر جثته ولم ترتاح أبدا، فظلت لسنوات طويلة تنتظر وصوله ورؤيته، ظروف قاسية لا يستوعبها عقل بشري تعرض لها المعارضين في أزمنة متعددة، لكن بلغت السلطة التي حكمت ما قبل الاحتلال الأمريكي ذروة تلك القوة.

الذات..

في هذه الرواية حاول البطل أن يقترب منذ ذاته أكثر حين تذكر تفاصيل طفولته الدقيقة، وبداية تشكل وعيه ووجدانه وشخصيته ربما ليفهم ذاته بشكل أكبر، وربما لكي يستعيد تلك الأيام الحلوة المحفورة داخل الذهن وجنبات الروح، وربما لكي يودع والديه بعمل إنساني آسر وبارع، هو الذي حرم من وداعهم في الواقع القاسي والموحش، والذي يحتفظ بكل الذكريات والأحباب داخل القلب والروح .

مما يجعلنا كقراء نكتشف براعة السيرة الذاتية حين تمعن في رصد الذات وكشفها والاقتراب منها ومحاولة فهمها، لكنها مع ذلك تؤثر علي القراء وذواتهم ربما لأنها تعبر عنهم هم أيضا، تلمس جوانبهم الإنسانية الخفية تلمس مشاعر وأحاسيس هامة.

أيضا رغم كونها سيرة ذاتية تحتفي بالمشاعر والأحاسيس المختلفة إلا أنها تقدم صورة عن العراق في الفترة ما بين حكم الملك وحتي بعد الاحتلال الأمريكي، صورة حميمية وثرية تقدم شخصيات شائكة ومعقدة وشخصيات بسيطة وجميلة من فرط إنسانيتها.

الأب والابن..

ترصد الرواية بقوة تشابه الأب والابن في الاستمتاع بالشراب، وهذه جراءة تحسب للكاتب، الذي يعري ذاته دون خوف أو وجل، الذي يتمتع بتعرية ذاته والكشف عنها بكامل وضوحها، لا يخجل من شيء، يقبل نفسه ويحبها ويعاملها بحنو، ويقدمها كما هي بكل تفاصيلها، لا يحاول أن يرسم صورة مغايرة عن نفسه وإنما يفتخر بكل تفاصيله ويحتفي بها، يعترف بلحظات الخطأ وشيطنة الطفولة، ويسخر من كونه كان طفلا شقيا ومتعبا لأمه، ومتلصصا علي خصوصيات الجيران، يعري كل شيء بحيوية ومرح. تشعر كقارئ بأن المشاعر والأحاسيس المختلفة حية وقوية رغم مرور سنوات من الغياب والبعد والنفي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة