19 ديسمبر، 2024 2:16 ص

النداف والريس سز(ومرهنات سباق الخيل )

النداف والريس سز(ومرهنات سباق الخيل )

قصة قصيرة عن أحوال الناس  وانشغالاتها

في عصر ما قبل العسكريتاريات في العالم العربي

رغم عسر الحال وقلة القروش والمال ورغم  الاخطار والاهوال يصر جعاز أبو عبد الذي عمل  ندافا في بلداتنا على مواصلة الانخراط في صحبة تهوى وتعشق  سباق الخيل والمراهنات وتسعى الى الانشراح في كسب المزيد من المال والتفاخر بمعرفة نتائج السباقات. حيث كان ابو عبد  يوميا يغادر عمله ويمتطي اية وسيلة نقل للذهاب الى العاصمة حيث قلبه مولع بالمضمار ( ميدان سباق الخيل) ويقع هذا في ارقى احياء العاصمة .

فتراه يوما راكبا خلف سائق  دراجة نارية  او سيارة ركاب صغيرة أو تراه في أيام  أخرى في شاحنة  او حافلة او أيا مما تيسر من وسائل النقل. الا انه في غالب الأحيان يركب  فوق أكياس و صنادق الخضر  في بيكبات المزارعين المتجهة الى المزادات في بغداد متلفلفا  بكوفية حمراء حماية له من امراض البرد المؤلمة التي تحملها رياح الشتاء اللاسعة وتنفثها في الاجساد.

ومرة وجدناه راكبا وهو منبطح  على ظهره ويداه ممدوتان وارجله مثنية   وكأنه  يعوم على أكياس الخضرة في مؤخرة  بيكب متجهة الى أسواق الجملة و محملة بالبطيخ والجح حيث اقصي الى  خلف المركبة  اما لكثرة أصحاب الشأن في مقدمتها او لتدني مكانته الاجتماعية  بين الناس وذلك  لولعه ولاعتياده على ممارسة المنكرات الدينية  ( الريس سيز). وفيما كان يلاحق تلك  السيارة صبية وفي ايادي بعضهم اسياخ حديدية  طويلة مدببة كانوا يغرسونها في البضاعة لالتقاط ما توفر لهم مما تحمل المركبة من محصولات زراعية  وهي تسير فيما هو ينش بيده هؤلاء الصبية قائلا لهم  :

” حرام يا ولاد ويحكم هذا حرام ومخالف لشرائع الله…….. اترتضون هذا الشيء لكم ولاهاليكم”

والصيبة يضحكون ويقهقهون وهم على علم ودراية لما يقوم به أبو عبد من محرمات تخالف ما يقول وما يدور في فكره .

وكان أبوعبد صاحب نكتة ورجل مرح وضحوك واحاديثه سلسة وكأنها خرير جدول ماء صاف سهل الانسياب وكان شباب البلدة يجالسونه حيث كان يعمل و يفترش خارج محله لحافا قديما له عبقه  في مكان مشمس شتاء أ ومظلل بافياء أشجار التوت القريبة من مصدر رزقه في الصيف. هذه الأشجار التي  تراقص غصونها الريح وتأوي الطيورالتي تشارك زوار أبوعبد بتغريداها الصداحة فيما يتحلق حوله الشباب من أبناء البلدة  وهو يعمل ويعطر المكان بنكات واحاديث يا لها من حلاوة  لاتمل.

ومن دعاباته الجميلة حديث دار بينه وبين عامل نظافة مسكين اسمه علي يتأتأ –يتلعثم-

حيث قال هذا الشاب : ” يا ابو عبد ابشرك لقد وجدت عملا منتظما في البلدية براتب قدره 20 دينار………زين؟ ” . وكان هذا المبلغ في ذلك العهد قليل فاراد أبو عبد ان لايكسر خاطره. فرد عليه قائلا: “وبعد مرور عشرين سنة ان شاء الله  سيصبح راتبك يا علي..ي ي……… ي 200 دينار.”

ففرح المسكين لبساطة تفكيره و لفكرة تضاعف المبلغ 10 مرات مما هو عليه  وبعدها انفجر  جميع الجلاس بالضحك والتصفيق المدوي والزغاريد وتزيين المكان بفرحة ما بعدها فرحة  ولفت انتباه الناس من المارة ظنا منهم حصول الموافقة على تبليط الشارع العام في البلدة الذي طال انتظاره.

في سباقات الخيل يطلق على الخيول أسماء علم وكنيات والقاب مختلفة من بينها ” خالد” و” أسد أنور” و”الاشم” وغيرها وكان المشجعون والمراهنون ينادون ويصيحون ويتصايحون بهذه المسميات. وكانت الخيول في هذه السباقات  تجري وتتم  في مجموعات او وجبات  ذات  ارقام يطلق عليها ” حلات” مثل الحلة الرابعة.

وكان ابن صاحب مطحنة الحبوب في البلدة ذا الجلباب الابيض الفضفاض يعمل مهندسا في العاصمة واسمه وليد وكان وليد هذا يذهب الى عمله في العاصمة  في الصباح ويعود الى البلدة في المساء حيث يسكن  كما كان يفعل أبو عبد ذهابا وجيئة . وعادة كان أهالي البلدة عند السفر يلتقون في محطة النقل ويرى بعضهم البعض هناك الى ان يكتمل عدد الركاب .

ومن شدة انغماس وتولع ابوعبد بالمراهنات ومسابقات الخيول نراه  لايميز بين أسماء الرجال والخيول وخير دليل على ذلك عندما تاخر وصول وليد ابن صاحب الممطحنة  مساءا الى البلدة وكان أبو عبد قد  وصل  وعند نزوله من سيارة التاكسي سأله صاحب المطحنة قائلا

أبو عبد هل رأيت  ابني وليد

اجابه: أبو عبد: ”  ليش………. هو باية حلة يركض” ظنا منه ان وليد اسم فرس

هكذا عندما ينغمس و يولع المرء في مجال ما تختلط عنده المسميات والأفكار وينفق الوقت والمال والجهد من اجل  تحقيق ما يصبو اليه وتراه تائها في دنياه  

أحدث المقالات

أحدث المقالات