بعد ما يزيد على 2000 يوماً مضت منذ تأريخ توقيع اتفاقية الربط الكهربائي بين العراق والمملكة الأردنية الهاشمية جرى الإعلان مؤخرا ًعن إمكانية البدء بتجهيز الشبكة العراقية بكمية متواضعة من الطاقة الكهربائية وبحدود40 ميغاواط لتغذي مدينة الرطبة العراقية القريبة من الحدود الأردنية والمناطق المحيطة بها ، هذا المشروع ومن الناحية الفنية و الذي يهدف إلى إيصال التيار الكهربائي الى منطقة محددة في العراق بشرط عزلها عن الشبكة الأم لا يعد مطلقا ًربطا ًكهربائياً بين منظومتين متجاورتين بشروطه التزامنية المعتمدة، فشبيه هذا المشروع كانت الملاكات الوطنية العراقية قد نفذته على وفق اتفاقية خاصة مع وزارة الكهرباء السورية منذ اكثر من عشرين عام وبسقف زمني لم يتجاوز 90 يومأ وذلك بوساطة تغذية مقطع محدد بعد فصله عن الشبكة العراقية في محطة تل أبو ظاهر الثانوية (132kv) القريبة من الحدود السورية مع العراق حيث جرى في حينها تجهيز معمل سمنت سنجار والعديد من المناطق المحيطة بالتيار الكهربائي من شبكة الكهرباء السورية وبمعدل لا يتجاوز 50 ميكاواط ، كان ذلك في ظروف استثنائية قاسية حينها فرضتها إجراءات الحصار الاقتصادي ( ١٩٩١ – ٢٠٠٣ م )، فأعتمدت الموارد المحلية في التنفيذ دون اي استيرادات خارجية وبجهد فني من قبل العاملين في هيئة الكهرباء العراقية أصحاب المهارة العالية في الاختصاصات المطلوبة للتنفيذ ، تسعون يوما من العمل المتواصل شمل التفاوض والاتفاق والتعاقد وحسم الاجراءات المالية اللازمة ووضع خطة متكاملة للتنفيذ الميداني مع وضع وإقرار الترتيبات الفنية والتشغيلية اللازمة لضمان الإنجاز المطلوب وبتحايل مشروع على العقوبات الدولية المفروضة آنذاك والتي كانت تعرقل اي مشروع جديد من هذا النوع بفعل قواعد الرقابة الصارمة .
عودة إلى الإنجاز الذي تم الإعلان عنه في إتمام متطلبات عملية التجهيز الكهربائي لمدينة الرطبة وما جاورها وعلى الرغم من نتائجه المتواضعة ومع توافر الموارد المالية والمادية اللازمة فإن مدة تنفيذه قد تجاوزت 2000 يومأ منذ بدء الاتفاق عليه عام ٢٠١٨م وما تبعه من الاحتفالية الرسمية في وضع حجر الأساس له والى يومنا هذا فهي تعادل ٢٠ مرة تقريباً من مدة انجاز الربط المناطقي مع شبكة الكهرباء السورية المنفذ سنة ٢٠٠١ م دون ترويج إعلامي هائل أو احتفالات رسمية على مستوى عالي فكان يعبر بصمت عن التجسيد الحقيقي للمواقف الوطنية في مواجهة التحديات الناجمة عن قرارات الحصار الظالم بعيدا عن التربص الشرير للأعداء.
على طاولة التقييم المنصف لهذين المشروعين وبالاعتماد على عاملي مدة التنفيذ وتوافر الموارد اللازمة بالإضافة إلى ظروف العمل المتاحة فإن هذا التقييم يشير إلى تراجع القدرات اللازمة لصناعة الإنجاز الوطني ٢٠ مرة عن ما كانت عليه قبل عقدين من الزمان في مجال خدمة الكهرباء وهو بالنتيجة يعكس صورة لواقع ضعف الاداء يمتد ليشمل كافة القطاعات العاملة في العراق هذا الواقع المريض والمرفوض من قبل العراقيين الشرفاء كان قد القى بثقله كنتاج حتمي لتداعيات الاحتلال وفي مقدمتها الأجواء السياسية الشاذة التي استنزفت الكثير من الامكانيات البشرية المبدعة حتى وصل الى حالة العجز والإتكال وحرمان المجتمع من صناعة الإنجاز إثر تراجع قدراته المتميزة المعروفة على الأصعدة كافة .