غالبا ما تكون نتائج أي انتخابات مطابقة أو قريبة من التوّقعات واستطلاعات الرأي العام , ومن النادر جدا أن تحدث مفاجئات خارج نطاق هذه التوقعات والاستطلاعات , ففي الانتخابات البرلمانية الماضية كانت المنافسة محصورة بين كتلتين سياسيتين وشخصيتين سياسيتين تحديدا , هما رئيس الوزراء نوري المالكي رئيس تحالف دولة القانون والدكتور أياد علاوي رئيس القائمة العراقية , لكنّ هذا لم يمنع وزير الداخلية آنذاك جواد البولاني من طرح نفسه كمنافس لمنصب رئيس الوزراء , حتى بلغ به الطموح في إحدى لقائاته مع قناة السومرية الفضائية , القول بأنه المنافس الوحيد لنوري المالكي والتنافس محصور بينه وبين المالكي تحديدا على رئاسة الوزراء , لكنّ نتائج الانتخابات جائت بالعكس من رغبات السيد جواد البولاني , وعكست الواقع الحقيقي على الأرض .
لكنّ الذي يميّز هذه الانتخابات أنه لا يوجد حتى هذه اللحظة منافس وندّ حقيقي أمام رئيس الوزراء نوري المالكي , وقطعا أنّ التنافس الحقيقي سينحصر بين مرشح تحالف دولة القانون برئاسة نوري المالكي وبين أحد مرشحي كتلتي المواطن والأحرار , والأقرب للواقع أنّ هذا التنافس سينحصر بين نوري المالكي ومرّشح كتلة المواطن , وأغلب التوّقعات تشير إلى السيد باقر جبر صولاغ , أي بمعنى أنّ التنافس على رئاسة الحكومة القادمة سيكون بين نوري المالكي وباقر جبر صولاغ , ومن المؤكد أنّ حظوظ كل واحد منهما في الوصول إلى رئاسة الوزراء ستحدده نتائج الانتخابات والتحالفات التي ستتشّكل بعد الانتخابات .
ومن الواضح أنّ كتلة المواطن التي ينتمي إليها السيد باقر جبر صولاغ تمّهد الأجواء لتحالف الكتلة الأكثر عددا , والتي ستقطع الطريق على تحالف رئيس الوزراء نوري المالكي بتشكيل الحكومة القادمة , وهذا احتمال قوي وقائم في ظل الوضع السياسي الراهن والواقع على الأرض , لكن مع كل هذا لا زالت حظوظ السيد نوري المالكي برئاسة الحكومة القادمة قوية هي الأخرى بفضل التأييد الشعبي المتعاظم له , فالكثير من المراقبين يرون إنّ اتجاهات الشارع الشيعي تتجه نحو نوري المالكي باعتباره الأكثر قدرة على التصدي لطموحات مسعود البارزاني والقيادة الكردية اللامشروعة , خصوصا فيما يتعلق بالنفط والثروة , والأكثر قدرة على التصدي للإرهاب ومن يقف خلفه , بحكم التجربة التي اكتسبها بقتاله مع الإرهاب , واغلب الناس يعتقدون إنّ فشل حكومة المالكي الحالية في تحقيق اهدافها يرجع إلى تعمدّ الشركاء في الحكومة بترشيحهم وزراء فاسدون وغير إكفاء بهدف إفشال هذه الحكومة , وهنالك أكثر من دليل يثبت سوء نوايا الشركاء وتعمدّهم في إفشال عمل الحكومة .
كما إنّ الوضع الأمني وما تمرّ به المنطقة من أحداث سياسية , هي الأخرى تلقي بضلالها على هذه الانتخابات , فاي تغيير لرأس السلطة في العراق قد تترتب عليه نتائج لا ترضاها إيران , وبالتالي فإنّ هذا قد يدفع بإيران للضغط على عمار الحكيم ومقتدى الصدر بالتراجع والانسحاب من تحالفهم مع أسامة النجيفي وأياد علاوي ومسعود البارزاني , والقبول بتحالف شيعي برئاسة نوري المالكي , وهذا السيناريو هو الآخر ممكن وقائم , وربّما هو الأقرب للواقع الذي يعكس الانقسام الطائفي في المجتمع العراقي , فنوري المالكي وفق هذه التصورات قادم للولاية الثالثة بقوة , وحكومة الأغلبية السياسية باتت اليوم أقرب من أي وقت مضى , وتمّثل مخرجا حقيقيا لهذه الأزمة التي تعصف في البلد .