25 نوفمبر، 2024 10:40 ص
Search
Close this search box.

محنة الانسان المحاصر في أعمال الفنان علي الموسوي

محنة الانسان المحاصر في أعمال الفنان علي الموسوي

أقام الفنان علي الموسوي معرضه الشخصي على قاعة المركزالثقافي العراقي في لندن بمجموعة من أعمال النحت والرسم ، بوصفه واحدا من الفنانين الذين يجيدون فعالية الرسم والنحت على السواء وامكانية النحات من تصوير أشكاله ووضع خرائط لها قبل البدء بعملية الانجاز النحتي . وبهذا قدّم في الرسم أعمالا تنتمي للتعبيرية المحلية التي تلتقط اشارات الواقع الحياتي الكامن في ذاكرته ليصوغ منه خطابا جماليا يستند الى آليات البحث المرئي وأعرافه وتقنياته، لايمانه بأن هذا المنهج هو الأصلح لصياغة خطابه الجمالي الذي يستند الى مقومات التحديث وأمكانية التعاطي مع واقعه المفقود أو المضاع ليصوغه على هيئة لوحات ، تلك التي ظهرت على هيئة بيوت طينية على ضفاف النهر أو المسطحات المائية ، وفي الخلف تظهر نباتات القصب والبردي تحيط تلك البيوتات ، بيد أن هذا لم يكن خلاصة بحثه الجمالي ، بل لجأ الى تصوير قضية الانسان الكونية ومحنته ، حيث ظهرت شخوصه ضمن حركة متسارعة داخل الشرنقة أو الفضاء السديمي ، أو هي كتل معتمة داخل الفضاء نفسه وكأنها منحوتات داخل الحيز الحياتي ، وهذا تعبير حقيقي عن محنة الانسان المحاصر بالسلطات الفعلية الضاغطة أو بالأسئلة الوجودية التي تحدث انزياحاتها على مستوى تبدل الرؤى والقناعات .
ترتكز أعماله على فكرة رئيسة وهي الانسان المحاصر بالأسئلة الكبرى أو الضغوط الموضوعية التي أصبحت خيوط حريرية تسد منافذ الطرق والحلول عليه ، ولكنه يحاول الافلات منها بتملكه الارادة ، مما يظهر أعماله وكأنها تحتفي بالفعل الحركي الذي مارسه المستقبليون من قبل ، وهو يجرب عبر الأساليب والتقنيات ، ولكنها تحتمل المزيد من التأويل .لانقاذ أشخاصه أو انقاذ نفسه واختيار ألوان معبرة عن شفافية الحياة أو شفافية الأفق الذي يتلمسه في نهاية الدروب المغلقة ، هذه الألوان الصارخة ( الحمراء والصفراء والخضراء ) كلها تشي بطبيعة الموضوع المعبر عنه أو هي نعوت الحياة اليومية التي تشكلت في لوحته المرسومة ، كما أنها استعارات بيئية لحنين كبير لبنية مكانية كان قد عرفها الفنان الموسوي وأحبها ، ولذلك احتفى بالكثير من العلامات في الأمكنة المألوفة لدى الفنان والمتلقي أيضا ، فالشناشيل وبيوت القصب والطين كلها احالات رمزية لبيئة حقيقية داخل ضمير الفنان تأسست على بيئة افتراضية هي بيئة ( اللوحة ) أي الوجود الجديد لهذا العالم وامكانية التواصل معه من خلال اللوحة ، بوصفها معادلا موضوعيا عن تصدعات الواقع الحقيقي وشروخه التي لا يمكن لثمها .

وفي خارطة النحت اتخذ من الموضوعة نفسها أساسا لصياغات أخرى تفرضها طبيعة الجنس الفني وهو النحت لاختلاف التقنيات والخامات وطرق التشييد ، فبالرغم من تعدد خاماته ، حيث استخدم البرونز والخشب والجبس وحسب متطلبات موضوعاته ، ألا أنه حافظ على ايقاعية الموضوع وتكريسه والوصول به الى دائرة التلقي الواسعة من جهة ، وتأكيد أسلوبيته الشخصية في بناء العمل النحتي . فمنحوتاته تتخذ من الجسد الانساني وبيئاته أساسا في انجاز خطابه المرئي وبقي يدور في ذات المحطة ولم يعلن مغادرته لها ، كما أنه لجأ الى موضوعات انسانية تفوق حدود الجغرافية والتأريخ المحددين الى آفاق أوسع ، ولذلك فأن منحوتة الأم وهي تحتضن طفلها وتركع به الى مستوى الارض وتنحني وتعض على روحها من أجل انقاذه هي موضوعة انسانية كبرى بامتياز اشارة الى ما تتعرض اليه الطفولة في مناطق واسعة من العالم ، ألا أن ردة فعل الفن هي انتاج مقامات جمالية مضادة لفعل القسوة الموجه تجاه الذات الانسانية ، وبتحديد مكانية واضحة اشار الى العلم العراقي الذي يلف منحوتته الجبسية وهو اعلان بالتصريح لهذه الحدود ، ولكنها تحتمل المزيد من القراءات التأويلية ، ولا بد من الاشارة في خلاصة الحديث الى أن الموسوي أمتلك مهارات الأداء على مستوى النحت والرسم ، فضلا عن الذات المفكرة التي قدمت انموذجها المرئي عبر هذا المعرض .
 

أحدث المقالات

أحدث المقالات