18 ديسمبر، 2024 7:36 م

بين الإعداد والشهادة

بين الإعداد والشهادة

[email protected]

كان الشعب العراقي الصابر, في أوج انتظاره للمعارضة, التي قدمت التضحيات الجِسام, ضد الحكم الصَدامي البغيض, الذي عاث بالعراق الفساد, وأجرى أنهارا من الدماء الطاهرة, من أجل التحرر والقضاء على الطغيان, وكلما يأتي رجب كل عام, نستذكر من أعَدَّ نفسه للتحرير الوطن, ووطن نفسه على الشهادة.   

كان السيد محمد باقر الحكيم, من أبرز المجاهدين, الذي لا تُرد له كلمة, في كافة الملتقيات مع فصائل المعارضة؛ فقد وّطَّن نفسه على القبول, بقدر الخالق جَلَّ شأنه, ينتظر الشهادة في كل لحظة, مع الأمل في أن يرى سقوط الطاغوت, الذي جثم على صدر العراقيين, خمسا وثلاثين عاماً, لم يذق فيها الشعب طعم الحرية.

لم يفقد العراقيون الأمل, فقد كان مترقباً ما يجري, حارج العراق من قبل ثوار, عاهدوا الشعب منذ خروجهم, على تحرير الوطن مهما كلفت التضحيات, رجالٌ مؤمنين بأن قيادة المعارضة الإسلامية, بقيادة السادة من آل الحكيم أولي العِلم, لن يتركوا العراق للعيش, بل هي رحلةٌ مؤقتة, التأهيل لإنهاء الظلم الذي وقع عليهم, ليأتي ذلك اليوم المنشود, لتمتزج السعادة بدموع الفرح, الذي انتظروه أكثر من ثلاثة عقود. 

انتهت مرحلة التمهيد للتحرر, من نير العبودية الصدامية, ودخل العراق  مرحلة ما بعد سقوط الطاغية؛ ولم ينتهي دور شهيد المحراب, فكان التمهيد لنوع الحكم للعراق الجديد, وهي مرحلةٌ ليست باليسيرة, فالعراق أصبح تحت الاحتلال, وهذا يعني أن الكلمة الفصل, هي بيد المُحتل الذي رفع شعار التحرير؛ بادئ ذي بدء لينقلب, بعد دخول العراق, ويُكَشِر عن أنيابه وهدفه الحقيقي, فقوات التحالف بقيادة الشيطان الأكبر, أعلنت بكل وقاحة احتلالها للعراق, ليصبح تابعا لأمريكا.

قام السيد محمد باقر الحكيم, منذ ساعات عودته الأولى للعراق, بالتمهيد لوضع الأسس الرصينة, التي تجعل الحكم بيد الشعب, ولا فرق بين مكون وآخر, وأن تكون الأغلبية, هي من تدير أمور البلد, مع باقي المكونات, فلكل منهم حقوق بوصف دقيق, فقد قال في إحدى خطاباته, إن العراق كالفسيفساء, إن فقد جزء منه, تصبح اللوحة مشوهة, كما لم يتناسى, أن يوصي بالثوابت الوطنية والعقدية, والتمسك بالمرجعية العليا.

قد يسألُ سائلاً, لماذا لم يستخدم شهيد المحراب قدس سره, الكفاح المسلح ضد جيش الاحتلال, وهنا يجب علينا أن نفهم, أن رؤيته كانت كالآتي, فقد كان يرى, أنّ الشعب العراقي, منهك من ظلم صدام, ولذا يجب استخدام طرق أخرى, وإن لم تأتِ بنتيجة, سيكون هناك كلام آخر, وقد قال “منهج القوة لا يعتمد إلا بعد استنفاد كافة الأساليب السلميّة والكلمة الطيّبة والحوار والمنطق وهو ما لم يستنفد بعد.. وعلينا بذل الجهود المشروعة ذات الطابع السلميّ لإنهاء الاحتلال”.

كان شهيد المحراب ذا نظرة استشرافية, فهو العالم الضليع بالسياسة والدين والجهاد, فما يمر به العراق, في تلك الفترة حَرجٌ جداً, فليس من الممكن, أن يكتمل الفكر الجديد جوانبه التطبيقية, لذلك فقد دأب على وضع القواعد, للحكم الديموقراطي عن طريق, الانتخابات, الأمر الذي رحبت به المرجعية العليا, بعد استفتاء شعبي, واحتساباً من القائد الحكيم قدس سره, فقد قرر تسليم دورة المجلس الأعلى في العراق, للسيد عبد العزيز الحكيم عليه الرحمة والرضوان, قبل حصول الفاجعة, بانفجارٍ كبير يوم الجمعة, في الأول من رجب, ليرحل السيد محمد الحكيم شهيداً, مع ثلة من أصحابه المجاهدين.

رَحيلٌ لم يتوقعه العراقيون, فقد كان الأمل كبيراً, بتأسيس الدولة الحرة الحديثة, دولةٌ ينعم بها الشعب بحريته, ويتمتع بما أنعم الخالقُ من ثروات, عانى العراق من عدم الاستقرار الأمني والسياسي؛ ومع أن الدستور الدائم, قد تمت كتابته بلمسات واضحةٍ, لشهيد المحراب فقد جُمِّد العمل به, فأضحى العراق لقمة سائغة, يقضمها الانتهازيون.

فهل نرى ذلك المشروع الحقيقي, الذي تم وضعه, من قبل الزعيم الحقيقي للمجاهدين؟ هل تتعاضد القوى المشاركة بالنضال, ضد الطغيان البعثي لتثأر لشهداء العراق, دون النظر لما يحصلون عليه, من امتيازات خاصه, بعيدا عن الدستور؟