منذ اليوم الأول من الجولة الأخيرة من الصراع الدموي بين حركات المقاومة في غزة والقوات الإسرائيلية، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي كم هائل من المقاطع والتعليقات والكتابات حول مشاركة المحور الإيراني في الصراع ضد إسرائيل وفتح جبهات جديدة من القتال، وكان كلامهم ان المحور الإيراني هو محور كلام ومحور شعارات ومحور خطب نارية اما من ناحية الأفعال فهم غير قادرين على فتح جبهة جديدة للحرب وانهم مجرد ظاهرة صوتية كما يصفوهم. وكان ثمن هذا الصراع هو تشتت الموقف العربي من القضية الفلسطينية بالخصوص قضية المذابح ضد المدنيين من أهالي غزة الأبرياء.
عند البحث عن خلفية هؤلاء المنتقدين تجد اغلبهم اما من رعايا دول الخليج بالخصوص من السعودية او هم من السوريين او الأردنيين والبعض من بقية الدول. فاتباع المحور الخليجي هؤلاء يتذمرون من ان ايران وحلفائها قد صدعوا رؤوس العرب والمسلمين بخطبهم الرنانة حول محاربة إسرائيل وطردهم وتحرير الأراضي العربية المحتلة ويلومون الحكام العرب على تقاعسهم وفشلهم في الدفاع عن الأراضي ويدينونهم على التطبيع مع دولة الاحتلال والتفاوض معها وإقامة معاهدات سلام وتبادل تجاري ومشاريع اقتصادية، حيث كانت هكذا خطب وشعارات تجذب الكثير من العرب والمسلمين وتحصل بسببها أيران ومحورها على الكثير من الشعبية والأنتشار وما تبع ذلك في بعض الأحيان من أنتشار المذهب الشيعي بين أتباع المذاهب السنية وبأعداد قليلة.
المحور الخليجي معروف بانه يدعو للتصالح مع دولة إسرائيل والاعتراف بها وتبنيهم لمشروع حل الدولتين، ولكن المحور الإيراني يرفض هذا المشروع بالكامل ويرفض أي تصالح او تطبيع مع دولة الاحتلال ويرفع نفس الشعارات التي كان القوميون العرب يتبنوها سابقا وهو إقامة دولة فلسطينية واحدة على كامل التراب الفلسطيني من النهر الى البحر. الفلسطينيين في وقتنا الحالي منقسمين بين الجماعة المتواجدة في الضفة الغربية تحت قيادة السلطة الفلسطيني المعترف بها عربيا وعالميا والتي تقودها منظمة التحرير الفلسطيني وعلى راسهم حركة فتح حيث يرأس السلطة حاليا الأستاذ محمود عباس. اما القسم الثاني فهم الحركات المقاومة الفلسطينية بالخصوص منهم الحركات الإسلامية وعلى راسهم حركة حماس، وهذه الحركات هي المتحكمة الان بقطاع غزة والذي يتعرض الان الى هجمة شرسة ووحشية ومدمرة من قبل قوات الاحتلال حيث تم قتل ما لا يقول عن 16 الف مدني لحد الان عدى الجرحى والمعوقين حسب ما اعلنته وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع وان ثلثاهم من الأطفال ومن النساء وكبار السن. اما الدمار فلقد أصاب حوالي 60% من الأبنية في القطاع بأضرار اغلبها بليغه والكثير منها قد تهدم بشكل كامل، اما البنية التحتية من كهرباء وماء وامور صحية فشبه منتهيه، والمستشفيات تعمل بصعوبة بالغه مع قسم منها اصبح خارج الخدمة بالكامل.
في المقابل فان المحور الإيراني واغلبهم من العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين من المؤيدين للكفاح المسلح يتهمون المحور الخليجي بانه محور تخاذل واستسلام وليس لديه ذرة عروبة ولا نخوة لانهم بدل مساعدة اهل غزة فانهم يتهجمون عليهم وعلى قيادتهم واولياء امورهم ولا يمدون يد المساعدة والعون حتى على مستوى الأعلام والدعم اللفظي فمعظم القيادات السياسية لدول مثل السعودية والامارات تهجمت على ولاة امر أهالي غزة وبأحسن الأحوال ساوت بينهم وبين دولة الاحتلال واتهمت الحركات السياسية الحاكمة في غزة بانها المسؤولة عما يجري في غزة وانهم لم يسمعوا لكلام القيادات السياسية في السعودية وبقية دول الخليج وانهم اتخذوا قرار الهجوم العسكري بدون مشورة او تنسيق معهم. فالمحور الإيراني يعرض نفسه على أساس انهم الأكثر عقلا وشرفا وتعاطفا مع الفلسطينيين من جيرانهم بالخصوص المحور الخليجي.
فاذا نظرنا الى النقاط التي اثارها اتباع المحور الخليجي نلاحظ الميزة الأولى ان تهجمهم بدء مباشرتا بعد الهجوم الذي شنته المقاومة الإسلامية في غزة في يوم 7 من تشرين الأول \ اكتوبر وكان هجومهم يستند الى ان هذه الحركات هي متحالفة مع ايران ومحورها وبالتالي فهذا سبب كافي لاعتبارهم منحرفون وضالون ولا يستحقون اي تعاطف او مسانده مهما كانت ضئيلة ومهما فعلت بهم وبالمدنيين من أهالي غزة قوات الاحتلال الإسرائيلي. الميزة الثانية هي رفع شعار طائفي حاقد ولا منطقي بان محاربة الروافض المتمثل بالمحور الإيراني هو اهم واولى من محاربة اليهود ودولة إسرائيل لان الروافض اخطر على الإسلام من غيرهم، طبعا هذا الكلام قديم تم استخدامه منذ سقوط نظام البعث العراقي في 2003 ومستمر لحد الان. النقطة الأخرى التي يكررونها هي ان ما يحدث هي بسبب حماس وحلفائها أولا وأخيرا حيث انها تجرأة على هكذا عمل عسكري وهم يعلمون بانهم غير قادرين على انهائها بشكل مرضي ويعلمون بنوع وطبيعة رد إسرائيل عليهم وبالتالي فعليهم ان يتحملوا نتائج عملهم والتي يصفونه بانه عمل انتحاري. كما وكرروا وبلا هوادة بان عدم اعلان ايران وحلفائها الحرب المفتوحة وفتح الجبهات على مصراعيها ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي دليل على جبنهم وانهم مجرد كلام وشعارات وخطب نارية لكسب الشعبية ضد شعبية المحور الخليجي وانهم مجرد ظاهرة صوتية ولن يتجرؤوا على الحرب مع إسرائيل لانهم لا يملكون القوة الكافية لتحمل تبعات المواجهة العسكرية معها، والبعض وصل به الحال الى ان يقول ويكرر ويصر على ان المحور الإيراني هو عميل لأمريكا ولإسرائيل وان الكلام والتهديد هو مجرد مسرحية مرسومة ومتفق عليه سلفا وكل ما يقوم به المحور هو مؤامرة مع أعداء الإسلام من اجل السيطرة والهيمنة على الدول السنية بالخصوص دول الخليج وعلى راسهم السعودية.
الميزة الأخيرة التي انتبهت لها هي انهم يتجنبون لوم دولة الاحتلال باي شكل من الاشكال ولو بأسلوب خفيف او عرضي بينما يتهجمون على محور المقاومة بشراسة غير طبيعية على الاطلاق، حتى انه تم اعتقال عدد من العرب في داخل السعودية لانهم تجرؤا على الدعاء العلني لأهالي غزة من العرب المسلمين السنه، ولم يظهر لهم أي شيخ دين من السلفية الوهابية او من غيرهم وحتى من المثقفين او من المشاهير والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي من يعلن وقوفه بشكل علني او حتى بشكل غير صريح مع الفلسطينيين في غزة على الرغم من مرور حوالي الشهرين حيث كشف العديد بان حكومة خادم الحرمين تعاقب وبشدة من يجرء على ذكر اهل غزة بخير، حتى اني سمعت ان حكومة الامارات تحاول منع أي موقع على الانترنت ممن ينشر عن ماسي الفلسطينيين داخل غزة او منع المقاطع من الظهور مثل المقاطع المنشورة على اليوتيوب حتى تقتصر المعلومات على ما ينشر على وسائل الاعلام التي تتحكم بها حكومة الامارات نفسها.
حسب رايي فان محور التصالح الخليجي له الحق في اتباع أي سياسة تتماشى مع مصالح بلدانهم وراي قيادته السياسي ولكن عليهم التمييز بين المواقف السياسية والمصالح الوطنية من جهة وبين حقوق الإنسانية والقوانين الدولية التي يتم انتهاكها بشكل سافر وصريح من قبل قوات الاحتلال في فلسطين وان ما يعاني منه المدنيين الأبرياء يجب ان لا تدخل في تلك المصالح وان هناك حدود يجب ان لا تتعداها الآراء السياسية والمصالح الخاصة وهي حقوق الانسان وعدم اتخاذ المدنيين كسلاح في الصراعات العسكرية والسياسية فالخلافات مع الحركات الإسلامية الفلسطينية او مع المحور الإيراني يجب ان تتوقف عندما يكون دماء الأبرياء هي الثمن بالخصوص اذا كان دم أبرياء مسلمين.