يبدو أن العنوان غريب بعض الشيئ لمن لايعرف الرئيس الامريكي السابع Andrew Jackson (1830-1837) رائد التهجير القسري للسكان الاصليين (الهنود الحمر) في اميركا وكيف شكلت أفكاره مصدر ألهام لقادة الكيان في التعامل مع الشعب الفلسطيني. وبأختصار, بعد ان وطدت السلطات الفدراليه سطوتها علي الجزء الشرقي من امريكا, بدأ التفكيرالجدي بالتخلص من الهنود الحمر وترحيلهم من كافة الولايات الشرقيه الموطن الأصلي للعديد من القبائل الهنديه التي كانت تعيش بسلام قرب مستوطنات الرجل الأوربي الأبيض. والمدهش أن الهنود كانو حلفاء مقربين للجنرال جاكسون وقاتلوا الى جنب مليشياته ضد الجيش الأسباني في الولايات الجنوبيه الشرقيه . وفي تلك المعارك انقذ الهنود الحمر جاكسون شخصيا من موت محقق وقدموا مئات الضحايا دعما لجاكسون. ولكن تغيرت الأحوال بعد وصول جاكسون الى سدة الرئاسه عام 1830. حينها كشر جاكسون انيابه بوجه حلفاء الأمس. وأبتدأ مشروعه التوسعي بالترويج لخرافه لاهوتيهسمجه تسمى ( Manifest Destiny ) او القدر المحتوم والتي تدعي بأن أمريكا هي أرض الله الموعوده (The Promised Land) للمسيحين البيض الذين اضطهدو في اوربا وعوضهمالله بأراضي أمريكا كلها من المحيط الى المحيط. ورافق هذه الخرافه سياسه ممنهجه لشيطنة الهنود ونعتهم بأسوء الأوصاف. حيث اشيع بأن الهنود كفره ومتوحشين, ومعادين للمسيح والمسيحيه وبأنهم أقل ذكاء و طموحا وأقل مبدئيه من الأوربيين ولايصلحون للعيش والتعايش مع الجنس الأبيض المسيحي الا أذا تخلو عن عاداتهم الهمجيه ومعتقداتهم وأصبحو مسيحيين. وكان للخرافات الدينيه وسياسة الشيطنه الممنهجه الأثر الكبير في كسب تأييد الغالبيه العظمي من الجنس الأبيض لمشروع جاكسون. ولم يهدأ لجاكسون بال حتى نجح في أصدار قانون فيدرالي مشؤوم يدعى قانون أزاحة الهنود (The Indian Removal Act) الذي ينص على تهجير الهنود كافه الى غرب نهر المسسيبي وتحديدا الى ولاية اكلاهوما. وبعد تصديق القانون ,حشر الهنود امام خيارت ثلاث مريره:1. اما التخلي عن قيمهم ومبادئهم ومعتقداتهم والأنصهار في بوتقة المستعمرين البيض اذا قرروا البقاء 2. او الرحيل طوعا ام قسرا الى غرب نهر المسسيبي 3. او الموت في حالة مخالفة القوانين الفدراليه ومقاومتها . وفعليا أبتدأ التهجير القسري في الشهر العاشر من عام 1838 . حيث أجبر الهنود بقوة السلاح للرحيل عن ديار أبائهم وأجدادهم الى غرب النهر في مواكب تراجيديه في رحلة اطلق عليها طريق الدموع ) The Trail of Tears) .وقد امتدت الرحله الأولى ستة شهور في ذروة الشتاء القارص مشيا على الأقدام لأكثر من الف ميل . وبسبب الارهاق والجوع والأوبئه والبرد والصقيع توفى اكثر من نصف المهجرين. وبعد ان استقر الهنود غرب النهر تابعتهم ألة القتل وحصدت حرب الأباده والتجويع والأوبئه مئات الألاف من الهنود,واستمرت الحرب الشعواء حتى نهاية القرن التاسع عشر.وأخيرا انتهى المطاف بحشر الناجين في مستعمرات صغيره أطلق عليها (محميات) بعيدا عن مستعمرات الرجل الأبيض.
ومااشبه ما حصل بالماض بما يحصل اليوم في الأراضي الفلسطينيه المحتله. والمقاربات جميعها ترجح ان مألات وأفكار الطغمه الصهيونيه المتطرفه مستوحاة من أفكار أندريهجاكسون العنصريه. حيث أتت تصريحات الوزراء المتطرفين الأخيره من امثال بن غفير ووزير الماليه سموتريش وأخرينمطابقه حرفيا مع الخيارات المذله التي فرضها الرئيسجاكسون على سكان أمريكا الأصليين قبل تهجيرهم غربا. فقد دعى بن غفير علنا في اكثر من مناسبه الى طرد الفلسطينيين من ديارهم وترحيلهم الى شرق نهر الأردن. ورددسموتريش على مسامع العالم أفكارا مستنسخه من وثيقة جاكسون. فقد وضع سموتريش امام الفلسطينيين خياراتمشابه ان لم تكن مطابقه لأشتراطات جاكسون وهي كما يلي: اولا, من يريد البقاء في ارض فلسطين عليه الأعتراف بحق اسرائيل كدوله يهوديه توراتيه ويتعهد بأحترام قوانين الكيانويتنازل عن معتقداته وحقوقه المشروعه في ارضه. ثانيا, من لا يقبل بقوانين الدوله اليهوديه عليه ان يغادر الى شرق النهر أو أي بلد اخر يختاره. ثالثا, من يقاوم المحتل يتعرض للقمع والأباده. ومؤخرا عرض سموتريش دون خجل في مؤتمر باريس خارطه لحدود دولة الكيان تشمل كل فلسطين وأجزاء كبيره من دولة الأردن. وتلك حركه عنصريه عبثيه تعكس أحلام الصهاينه لأبتلاع كل فلسطين وتهجير اهلها قسرا من ارضهم ومن ثم الأمتداد شرقا لقضم ماأمكن. وفي تغريده اخرى دعى لتهجير الغزاويين الى بلدان العالم في حالة رفض مصر والأردن أستقبالهم. ودون ادنى شك ترفض المملكه ومصر مشروع التهجير وتقاومه بشتى الطرق. وتيمننا بأساليبجاكسون , لايزال الصهاينه يروجو لخرافه باليه توهم الأخرينبأن أرض فلسطين هي ارض موعوده لليهود فقط ولايشاركهم فيها احد. وتلك خرافه ابتعدها عتاة الصهاينه وشرعنو من خلالها أبادة الشعب الفلسطيني وسلب اراضيه وممتلكاتهبطريقه مشابه لما عمله الأمريكان مع الهنود الحمر. ولكن العقل والمنطق وشواهد التأريخ كلها تدلل على أن هذا الوهمالصهيوني صعب المنال أن لم يكن مستحيلا كما تبين النقاط التالي:
اولا: ان العالم قد تغير وتطور كثيرا عن القرن التاسع عشر. وبالمقارنه لم يسمع العالم عن حرب الأباده التي تعرض لها الهنود الا بعد حين, وماوصل منها كان مشوها ومشوشا. اما الأن فالعالم أجمع على درايه بأدق التفاصيل لحظة وقوع الحدث ويتعذر على الصهاينه التغطيه على قمعهم وأبادتهم للشعب الفلسطيني والتظاهرات الغفيره التي طافت عواصم العالم والمستنكره لجرائم الكيان خير دليل على مانقول.
ثانيا: أنفرد ت القوات الأمريكيه بالهنود الحمر دون ان يكون لهم مناصرين أو أعوان. وبالمقارنه يلقى الشعب الفلسطينيكل الدعم والمسانده من محيطه الأقليمي والدولي . ودون شك تقف غالبية الشعوب العربيه والأسلاميه رافضه للمشروع الصهيوني التوسعي وستضل تقاومه بكافة السبل المتاحه.
ثالثا: كانت مجتمعات الهنود الحمر قبائل صغيره متناثره هنا وهناك ومتناحره احيانا ولا يوجد رابط ديني او قومي او معنوي يوحدهم مما ممكن السلطات الأمريكيه من الأستفراد بهم قبيلة تلوالأخرى, وفي المقابل يشكل الفلسطينيون كتله بشريه هائله متجانسه يبلغ تعدادها في الضفه والقطاع أكثر من سته مليون أنسان أضافه الى مايقرب من خمسه مليون في مخيمات دول الجوار وثلاث الى اربع ملايين في دول الشتات وهذه الأعداد الضخمه وحدها تؤكد استحالة أبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره.
رابعا: الهنود الحمر شعوب بدائيه لاتمتلك من العلم شيئا يذكر لذا تمكن المستعمرون البيض من دحرهم وأبادتهم بسهوله, وعلى النقيض من ذلك الشعب الفلسطيني مثقف ومتحضر جدا ومبدع ومسلح بالعلم والمعرفه وعلى اتم استعداد للدفاع عن ارضه وحقوقه بكل الوسائل الحديثه السبرانيه والتقليديه التي اصبحت طوع بنانه, والقتال الأسطوري في غزه خير دليل
خامسا: أغلب المؤشرات تؤكد ان القطب الواحد الداعم للحركهالصهيونيه تجاوز مداه. وبدأ مرحلة الشيخوخه . وبعد أفوله,لن تلقى المشاريع ألأستعماريه داعم اومعين, وسيضطرالغالبيه من اليهود المخدوعين بلأفكار التوراتيه الباليه العودهالى بلدانهم الأصليه . اما من يقرر البقاء في ارض فلسطين فسوف ترغمه المتغيرات أستجداء السلام والقبول ولو بربع أرض فلسطين التأريخيه.
وأخيرا لابد من اعادة التأكيد بأن كل البينات والشواهد ترجح استحالة تطبيق سيناريو جاكسون في ارض فلسطين.فالتعنت والأصرار على سلب حقوق الشعب الفلسطينيسيجلب مزيدا من الويلات والدمار للمنطقه ككل. الفلسطينون ليس وحدهم من يرفض ويقاوم هذا السيناريو الأرعن بل هناك مئات الملايين من داخل الاقليم وخارجه ترفض وتقاوم حرب الإبادة والتهجير القسري. ومن غير المستبعد أن استمرار نكران حقوق الشعب الفلسطينى سيولد طوفانا أمر وأقسىتقوده الكتله البشريه الهائله في فلسطين المحتله والكتل المتأهبهفي دول الطوق. حينها لن ينجو أحد. والحل المنطقي يكمن في الأعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في ارضه وبحره وسمائه كاملة غير منقوصه, وخلافه سيستمر الصراع الى زمن لايعرف مداه بشر.