18 ديسمبر، 2024 5:51 م

المقال سيغضب حملة رايات الحداثة من المتوهمين بأنهم يقدمون إبداعا أصيلا , فيحسبون الحداثة إستحضارا لما عند الآخرين , وجاهدوا في إقناع الأجيال بأنهم يأتون بالجديد.
الحداثة هنا تشمل كافة صنوف الإبداع , إنطلاقا من أولى خطوات التنوير والإستنهاض , منذ بدايات القرن التاسع عشر.
وما يسمى بالحداثة ربما لتأكيد الإعتماد على الغير , والتيقن بأن الآخر يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا , فهو الذي أعلمنا بتراثنا الحضاري وكشف لنا آثارنا , وقال أن البشرية إنطلقت بإبداعاتها من بلدانكم قبل غيرها.
فالمفكرون بحداثتهم تورطوا في إعادة ترتيب الأشياء وتصنيفها , وأكثرهم أغفل مساهمات رموز الأمة المعروفين , الذين جابوا ميادين الوعي والإدراك , وأمعنوا بمواجهة التحديات ووضع الأسس الكفيلة بكينونة متألقة.
والسؤال الذي تصعب الإجابة عليه: كيف إنطفأ الوهج الساطع وفقد قدرات الإنبثاق عبر القرون الجاثيات على صدور الأجيال؟
البعض يرى أن فرية هولاكو أحرق بيت الحكمة في بغداد , ورمى المخطوطات في نهر دجلة أوهمت الأجيال وغيّبت الوعي الجمعي , فالأمة كان فيها العديد من بيوتات الحكمة وخزانات الكتب الشخصية والعائدة لمراكز العبادة والتدريس , وما في بغداد الأصل الذي نُسِخَ منه عشرات أو مئات النسخ , لأن مهنة الإستنساخ بلغت ذروتها في الدولة العباسية , وخصوصا بعد إنتشار صناعة الورق , فسمي الذين ينسخون بالوراقين.
فإلغاء التواصل مع الأصول والأساسيات , والذهاب إلى ما أنتجه أبناء البلدان الأخرى لا يقع ضمن مفهوم الحداثة , بل يساهم في ترقيد وتخميد إرادة الأجيال الساعية للتعبير عن طاقاتها , فإذا بها تتهاوى في ترع منحرفة عن مجرى تيار وجودها الأصيل.
فصار الغثيث حديثا , ولكي تكون مشهورا عليك المشاركة بإبداع الإبتذال والهبوط , فهو المُرتجى وغاية المنال , فإلى متى يبقى بعير وجودنا على تل خوائنا المرير؟!!
أوَ ليست الأجيال اللاحقة أحدث من الأجيال السابقة في الحياة؟!!
د-صادق السامرائي