حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بداية المنتدى الثالث لمبادرة الحزام والطريق الصينية (OBOR)، الذي عُقِدَ في الفترة من 17 إلى 18 أكتوبر 2023 في بكين ، بدعوة من الزعيم الصيني شي جين بينغ خلال زيارته لموسكو في مارس 2023، وحضره أيضا رئيسي كازاخستان وأوزبكستان قاسم جومارت توكاييف والزعيم الصربي شوكت ميرزيوييف ، ومشاركة ألكسندر مشاركة فوتشيتش، ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، ورئيسي تشيلي وإندونيسيا غابرييل بوريتش وجوكو ويدودو، ورئيسي وزراء كمبوديا ولاوس هون مانيه، وسونيكساي سيفاندون، ورئيس وزراء باكستان أنور الحق كاكار، واعتبر المراقبون مشاركة الرئيس بوتين في المنتدى ، الذي تعقده الصين كل عامين، فرصة جيدة للغاية لتبادل وجهات النظر حول جميع القضايا ذات الاهتمام.
وعشية اجتماعات بكين بين زعيمي روسيا والصين، لم تكن وسائل الإعلام الغربية خالية من الحذر بشأن المفاوضات الشخصية بين الرئيس بوتين والرئيس شي ، وسلطت شبكة “سي إن إن” ، الضوء على سياق المحادثات الروسية الصينية رفيعة المستوى ، والتي تجري على خلفية تصاعد خطوط الصدع الجيوسياسية في جميع أنحاء العالم – ليس فقط الصراع الأوكراني، ولكن أيضًا التصعيد في الشرق الأوسط بين ” إسرائيل ” وحركة حماس الفلسطينية ، الأمر الذي يهدد بالتطور إلى حرب حقيقية ، حيث انتقدت كل من بكين وموسكو تصرفات ” إسرائيل ” ، ودعوا إلى وقف إطلاق النار، وهو أحدث مظهر للجهود التي تبذلها القوتان لتعزيز قيادتهما البديلة لقيادتها الولايات المتحدة في الدفاع عن حق “إسرائيل” في الانتقام.
وبالنسبة لروسيا، يأتي التعاون الثنائي مع الصين في المقام الأول من حيث الأهمية، وهو ما أشار اليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مباحثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين ، إلى أن حجم التجارة بين روسيا والصين سيتجاوز 200 مليار دولار حتى نهاية العام ، لافتا في الوقت نفسه إلى النجاحات الاقتصادية التي حققتها الصين، وقال إنه لا يوجد زعيم عالمي واحد يعرف بنسبة 100% كيف سيتم تحقيق ما يخطط له، لكن جمهورية الصين الشعبية تحقق ذلك بشكل جيد ، في حين أكد شي أن حجم التجارة الثنائية سيصل إلى أرقام قياسية تاريخية هذا العام، مشيدا بالعلاقات السياسية بين روسيا والصين ، وقال موجه حديثه لنظيره الروسي ، انه “يتم الحفاظ على التفاعل الاستراتيجي المكثف والفعال، فعلى مدى السنوات العشر الماضي عقدنا 42 اجتماعا وأقمنا علاقات عمل جيدة وصداقة شخصية قوية”.
زيارة الرئيس بوتين الى بكين ، جاءت لتأكيد الموقف الروسي الراسخ وسعيها مع الصين للتطور المستدام والرخاء الاجتماعي، وتمسّكهما بالتعاون المتكافئ وحق الدول في نهجها للتنمية ، والتأكيد أيضا ان مبادرة “حزام واحد، طريق واحد” ، ستساعد في حل المشكلات الإقليمية والدولية المهمة والملحة ، وأكد أن مبادرة “الحزام والطريق” الصينية تتوافق مع الأفكار الروسية لخلق فضاء أوراسيا الكبير عبر تحقيق عمليات التكامل المختلفة.
وأشار الرئيس الروسي الى استمرار مشروع ممر “شمال جنوب” للسكك الحديدية وطرق السيارات في الشطر الأوروبي من روسيا بين بحر البلطيق وجنوب البلاد وصولا إلى إيران ، وانه ستظهر في روسيا العديد من خطوط السكك الحديدية الواعدة، إلى جانب المشاريع الأوراسية التي ستنشئ إطارا لوجستيا موحدا للنقل ، حيث يتم بناء سكة حديدية تربط جمهورية ياقوتيا والشرق الأقصى الروسي وجسور عبر نهري لينا وآمور وتحديث الطرق السريعة ، ودعا الرئيس الروسي في كلمته في المنتدى الدول المهتمة للمشاركة في تطوير طريق الشمال البحري الذي سيربط العالم ، وقال أن فتح طرق التجارة واللوجستية الدولية والإقليمية يعكس بشكل موضوعي التغيرات العميقة التي تحدث في الاقتصاد العالمي، والدور الجديد الذي تلعبه دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وكشف الرئيس الروسي أن ملاحة السفن عبر الممر الشمالي ستكون ممكنة على مدار السنة منذ مطلع العام المقبل ، ودعا بوتين الدول المهتمة للمشاركة في تطوير ممر الملاحة الشمالي، الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ ، وقال: “فيما يتعلق بممر الملاحة الشمالي، فإن روسيا لا تقترح فقط الاستخدام الفعال لإمكانيات العبور هناك، بل ندعو الدول المهتمة للمشاركة المباشرة في تطوير هذا الممر” ، في الوقت نفسه تعمل روسيا بخطى حثيثة على تطويره، حيث تواصل تصنيع عدد إضافي من كاسحات الجليد لمرافقة السفن التجارية، ورفد إلى أسطولها الأكبر عالميا من الكاسحات ، وتخطط موسكو لاستخدام الممر لتصدير النفط والغاز، ومن المتوقع أن يصبح طريقا تجاريا رئيسيا بين أوروبا وآسيا ، في حين أشار رئيس شركة “غازبروم” الروسية أليكسي ميللر ، إلى أن إمدادات الغاز عبر الأنابيب من روسيا إلى الصين ستصل قريبا إلى مستوى الإمدادات التي كانت موجهة إلى دول أوروبا الغربية .
كما أن المشاريع التي بدأتها بكين والتي تنطوي على مشاركة دول ثالثة تلعب أيضًا دورًا كبيرًا ، في الوقت نفسه، لا تشارك روسيا حاليًا في مبادرة الحزام والطريق بشكل مباشر ، وإذ يتم تنفيذ العمل في هذا المجال على أساس بيان مشترك للاتحاد الروسي والصين بشأن التعاون ، لربط بناء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، الحزام الاقتصادي لطريق الحرير بتاريخ 8 مايو 2015 ، وهذا اتجاه مهم لموسكو، حيث أن الرئيس بوتين، منذ توقيع البيان، أعلن مراراً وتكراراً عن نيته تشكيل شراكة أوروآسيوية كبيرة، بما في ذلك شبكة من اتفاقيات التجارة والاستثمار الدولية، ومساحة نقل مشتركة، وشبكة موحدة من النقل والمواصلات و الممرات الاقتصادية ومناطق التنمية.
وكما هو معروف ، فان الرئيس الأمريكي جو بايدن ،كان قد التقى مع الآسيويين في شهر سبتمبر/أيلول الماضي ، في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بصيغة C5+1) ) من أجل توسيع التعاون في مجالات الأمن والاقتصاد والطاقة ، وبشكل عام، طالب بايدن الجميع بمغادرة روسيا ، وأعرب الآسيويون عن استعدادهم لتسريع خلق “مناخ أعمال أكثر ملاءمة” للتجارة مع ممثلي القطاع الخاص الأمريكي وزيادة الاستثمار ، وتحقيقا لهذه الغاية، فإنهم على استعداد “للعمل على إقامة علاقات تجارية طبيعية بشكل مستمر” ، علاوة على ذلك، “توسيع طرق التجارة البديلة” وإقامة روابط جديدة بين رجال الأعمال في الولايات المتحدة وآسيا الوسطى.
ولأن الصين تعرف كيف تحسب المال ، وهي مستعدة لإنفاقها بشكل كبير على الشركاء فقط في حالة واحدة – عندما يكون ذلك مربحًا لها ، وما إذا كان من المفيد له تعزيز روسيا بشكل كبير في المواجهة مع الولايات المتحدة ،فقد ذهب بوتين إلى قمة مبادرة الحزام والطريق لإبلاغ شركائه الصينيين بأنه أصدر تعليماته للحكومة الروسية بتقديم مقترحات لتشكيل ممر نقل وسط أوراسيا عبر منغوليا وغرب الصين بحلول 15 فبراير 2024.
ان زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الحالية للصين هي أول زيارة خارجية يقوم بها زعيم روسي لحليفه الأكثر أهمية وتأثيرا ، وهو الرئيس الصيني شي جين بينغ، منذ بدء غزو أوكرانيا في فبراير 2022 ، ومدى أهمية زيادة صادرات الغاز الروسية إلى الصين بالنسبة لروسيا تؤكده حقيقة أن رئيسي شركتين روسيتين عملاقتين في مجال الطاقة كانا في قوام الوفد الروسي إلى الصين مع بوتين ، وهما أليكسي ميلر من شركة الغاز الروسية غازبروم وإيغور سيتشين، الذي يمثل روسنفت ، ويهدف خط أنابيب الغاز “قوة سيبيريا – 2” الذي تم الإعلان عنه كثيرًا إلى التعويض في قدرته عن “نورد ستريم – 2” الذي لا يعمل أبدًا ، وستصل الطاقة المخططة إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويا ، وقد ناقش القادة الروس بالفعل مسار خط أنابيب الغاز هذا مع ممثلي الصين ومنغوليا منذ عدة أشهر.
ولم يعد سرا إن الأولوية بالنسبة لموسكو في رحلة بوتين الحالية إلى بكين ، هي الاتفاق على بناء خط أنابيب غاز جديد “قوة سيبيريا – 2″، فعلى الرغم من الاختناقات المحتملة، فإن المشروع سيحصل على الضوء الأخضر، لأنه مفيد لكل من روسيا والصين ، ومن المفترض أن يربط خط أنابيب الغاز “باور أوف سيبيريا 2” حقول الغاز الغنية في شبه جزيرة يامال في غرب سيبيريا مع آسيا ، ولأن شي جين بينغ ، كما قال الرئيس الروسي في حديثه لوسائل الاعلام الصينية ، لا يزال يضع المصالح الجيوسياسية في المقام الأول، وليس المصالح الاقتصادية البحتة ، وفي الواقع، وبهذه الطريقة سيعوض الكرملين خسارة المبيعات في السوق الأوروبية.
كما ان تشكيلة الوفد الروسي كان فيها انحياز واضح لقطاعي المال والطاقة في الاقتصاد ، وأن جدول الأعمال كان مرتبطا بالتعاون الثنائي في البنى التحتية المالية ، وآليات التسوية وتوسيع العلاقات في قطاع الطاقة ، من وجهة نظر كل من التسليم المباشر والتداول ، وانه تم التوصل إلى بعض الاتفاقيات ، لكن لم يتم الإعلان عنها علناً، لأنه في الوقت الحالي سيكون من قصر النظر تقديم للعالم بشكل علني أي اتفاقيات تجارية جدية في مثل هذه المجالات الحساسة.