في سبعينيات القرن العشرين , كانت إفتتاحيات جريدة الثورة خصوصا تتحدث عن مشاريع لبننة العراق , وكنا في حينها نتصور الأمر أبعد من الخيال , وأن النظام دريئة قوية لمنع إرادة الطامعين في البلاد.
وقرأنا تلك المقالات لأنها كانت تعلق بلوحة الإعلانات في المدرسة , وأحيانا يحدثنا عنها المدرس في الصف , وكانت تصف الحال ومآلاته بدقة متناهية , وأظنها ظهرت في مطبوع بعنوان ” المنطقة إلى أين” , وبعد دوران الزمن تبين أن ما جاء في تلك المقالات يتحقق في الواقع وبأساليب فاقت خيال كاتبها.
البلاد في دوامة عرقنة (أي التواصي بالأعراق المتنوعة الداعية للخلاف) , كالطائفية والمذهبية والفئوية والقبلية والعنصرية , ووصل الحال إلى القتل على الهوية , وتهجير أبناء الوطن الواحد من هذه المنطقة إلى تلك بسبب المذهبيات.
والسؤال الذي لا يعرف الجواب , خلاصته لماذا ما توقّت الحكومات مما وعته من المخططات؟
بل أنها وفي العديد من دول الأمة سارت بتواصل وتراكم لتنفيذه وتحقيقه بتعجيل أكبر , وتأثير أخطر مما تصورته!!
فلماذا تفاعلت معه على أنه حالة واقعة لا محالة , ووفرت له الظروف اللازمة للإستثمار؟
ربما أنها تعرف وتحرّف , أو ترى أنها تقرأ ولا تجيد الفهم , وتقول ولا تفعل , وتلك مصيبة الكراسي في القرن العشرين , التي تبدو وكأنها مرهونة بإرادة القابضين على مصيرها , والكفلاء لها إلى حين.
ما حصل في دول الأمة منذ العقد الأخير من القرن العشرين لم يكن مفاجئا , بل متوقعا وتنبهت له العديد من العقول , وكُتبت عنه مقالات وبحوث ودراسات , ولم يؤخذ بها , بل سار قطار التدمير الذاتي والموضوعي على سكة اللبننة والعرقنة وبنجاح فائق.
وفي بلاد الرافدين المثال ساطع , وفي غيره من بلدان الوجيع العربي الزاهر.
إنها لحيرة مروعة , أن تعرف وتتوقع ولا تتخذ التدابير , بل تستكين وتستلطف النكبات , والمآسي والويلات!!
فهل أنها الكآبة الحضارية؟!!
و”مَن يهن يسهل الهوان عليه…”!!
د-صادق السامرائي
14\10\2023