24 نوفمبر، 2024 8:41 م
Search
Close this search box.

أضاءة في العقل البشري

أضاءة في العقل البشري

* عندما تزهو الحضارة ، أو عندما تسود الثقافة والوعي ، أو عندما يحصل السقوط ، أو عندما يحل الأنهيار ، أو عندما ينتشر الجهل ، أو عندما يعم الخراب .. كل هذه الحقب المتناقضة وغيرها ، على المطلع أن يبحث دوما عن دور العقل البشري ، لأنه المحرك الرئيسي لكل ما سبق . عامة العقل ينتقل من مرحلة الى أخرى ، وبشكل أفقي ، فهو ينتقل من وهم الخرافة — الى مخيال الأسطرة — الى أيمان الكهنوت — الى العلم والنظريات — ، وقد تتداخل بعض الأنتقالات مع بعضها البعض ، وهناك أمور خارجة عن نطاق العقل البشري ، وهي الماورائيات – حالات قد تتخلل العقل البشري في بعض مراحل الأنتقالات . الغرب عبروا كل هذا ووصلوا الى التقدم الحضاري / العلم والنظريات والثقافة والتقدم المجتمعي .. وتركوا الكهنوت ورائهم ، ونحن لا زلنا نتخبط في مرحلة الكهنوت ، فترى العربي المسلم يتبع مقلده أن كان شيعيا ، والسني يتبع أئمامه ، حتى وأن أعتقد الفرد بتمام عقله ، أن المتبوع مخطأ ، ولكن العربي يتبعه ، لأن باقي القوم يتبعوه ، وهذه ما تسمى بثقافة القطيع .

* المرحلة الدينية سطحت وجهلت حيثيات العقل البشري للمسلم ، وجعلته يؤمن بأمور لا يمكن أن تصدق ، فمثلا معجزة أرجاع الشمس للوراء ( رد الشمس للأمام علي ، اخرج الطحاوي و الطبراني بأسانيد ونقل عنه الهيثمي في مجمعه : عن أسماء بنت عميس قالت كان رسول الله إذا نزل عليه الوحي كاد يغشى عليه فأنزل عليه يوما وهو في حجر علي فقال له رسول الله صليت العصر يا علي قال لا يا رسول الله ، فدعا الله فرد عليه الشمس حتى صلى العصر قالت فرأيت الشمس طلعت بعدما غابت حين ردت حتى صلى العصر / نقل من موقع العتبة الحسينية المقدسة ) . أو أن يقنعوا الفرد بمرويات ، هي أصلا منكرة ، وغير أخلاقية ، ولكن الشيخ يحشرها في عقل المتلقي حشرا ، ويقنعه أن الغاية منها هي عمل ألهي مقدس ، فمثلا في أحدى فديوات الشيخ متولي الشعراوي / موجود على اليوتيوب ، يقول : عندما طلق زيد بن محمد / أبن محمد بالتبني ، زوجته زينب بنت جحش – وهي أبنة عمة الرسول ” فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا / 37 سورة الأحزاب ” ، وذلك لكي يتزوجها رسول الأسلام وفقا للآية أعلاه / علما أن الرسول هو الذي زوجهما ، يقول الشعراوي واصفا الواقعة : ” أنها رياضة روحية ” ، والقطيع الذي يستمع ، يصرخ ” الله أكبر ” ، هذه هي ثقافة الجمهور الجاهل ، الذي لا يحكم العقل بالنص ، وذلك لأن رجال الكهنوت عملوا على تجهيل العقل البشري .

* المؤسسات الدينية ، لا تهتم بالعقل البشري / غير المنتسب لها ، لأنها تريده سطحيا ساذجا ، من أجل الأحكام عليه ، وذلك حتى لا يبزغ منه أي نتاج فكري ، نتاجا ممكن أن يؤثر على سلطة الكهنوت لديها ، ولكن هذا لا يمنع من فتح مدارس دينية ، من أجل خدمة الدين والمذهب ، ليست غايتها بث الفكر الحداثوي والنقدي والعقلاني . وممكن من هذه المدارس مثلا – مؤسسة الأزهر ، أن يشذ طلابها ، عن المألوف ، ويصبح عبأءا على المؤسسة ذاتها ، وأكبر مثال على ذلك عميد الأدب العربي د . طه حسين 1889 – 1973 م / ومؤلفه ” في الشعر الجاهلي ” الذي أحدث ضجة في المؤسسة الدينية في مصر .

* أرى أنه للوصول الى مرحلة التقدم العلمي والنظريات / التفكير العلمي للعقل البشري ، الأمر يبدأ بالمدرسة ، لأنها أساس التقدم والحضارة ، وذلك لأن المؤسسات العلمية لا تثمر أذا لم يكن هناك قاعدة تعليمية مدرسية ألزامية ، التي هي أساس ثمرة كل حضارة ، لأنها بداية التقدم ، وهذه مهمة الدولة – بناء المدارس ، ومن الضروري للدول أن تقوم بهذه الخطوة الأساسية ، من أجل الوصول الى العقل البشري المنشود .

* أما العقل البشري للفرد بعد الأكتمال والنضوج ، فيتحمل مسؤولية العمل والسعي ، من أجل المعرفة الموسوعية ، وهذا الأمر لا يعتمد على الدراسة الأكاديمية فقط ، وأنما هناك عاتقا يقع على الفرد ، وذلك أن يثقف نفسه بنفسه ، بالأطلاع على المصادر العلمية والثقافية والأدبية ، والأهم من كل ذلك ، أن ينسلخ من التبعبة الدينية ، أيا كان تمذهبها ، وبهذا سيتمحور عندنا عقلا مستنيرا مستقلا علميا ، يكون لبنة أساسية لأي حضارة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات