الكتّاب والمفكرون لا يتفاعلون مع الواقع بعناصره الجوهرية المؤثرة في الأحداث والتطورات , لأنهم يغفلون – ربما عن قصد – ثوابت تسير على سكتها الأحزاب والقوى المؤدينة المتسلطة على البلاد والعباد.
ولابد من القول بإنتفاء الدستور والقانون , لأن اليد العليا للفتاوى , فالأمور تمشي بموجبها.
ومن الثوابت الفاعلة , مجهولية المال العام , والوطن لا وجود له , فهو غنيمة وأنفال بما فيه وعليه , والناس رجالهم أسرى وعبيد , ونساؤهم جواري , فهذه معالم طريق الحكم القائم.
وبموجب ذلك لا يوجد فساد ولا فاسدين , فالمال مال الله , والسارق حبيب الله , فلماذا يدوم الحديث عن الفساد والفاسدين؟
إنه منطق أعوج , فأصحاب الأقلام يزعمون الديمقراطية والدستور والقانون وحقوق الإنسان , وهذه لا وجود لها عمليا في عرف الأدينة التي تتاجر بالدين , وتحسب البشر أرقاما , والبلاد مشاعة للذي تصل يداه لما يريد ويرغب.
هذا التعارض بين رؤية الكتّاب والمفكرين , وبين إرادة الفتاوى الفاعلة على أنها دين , تتسبب بإشكاليات متراكمة , فالسرقات ونهب المال العام أصبحت من أركان التقرب إلى الرب الذي يرزق بغير حساب.
أما الدولة فلا وجود لها في الوعي المؤدين المؤطر بفتاوى الرغبات والإستحواذات , إنها واجهة لذر الرماد في العيون وحسب , ولهذا فلا قيمة ولا هيبة لمؤسساتها وأجهزتها , وتتمنطق بالأكاذيب والأضاليل , لتأمين الإفتراس المؤدين المريح للثروات ومصادرات حقوق المواطنين.
إنها الفتاوى المتحكمة بأركان الوجود , فلا تقل وطن ومواطن ومواطنة , وديمقراطية , وتعلم أن تقتنع بأن الفتاوى دين واجب الإتباع والإنصياع , ومَن لا يخضع سيقبع في غياهب المهين.
فما كتب ونشر على مدى أكثر من عقدين , عبارة عن ثريد حول صحون الويلات والتداعيات , ولا تزال القوى المعارضة تتحرك وفقا لإرادة أوهامها بأن الشعب سيغير وبيده قدرة الوصول لما يريد , وتتناسى أن العمائم والمشايخ حولت الشعب إلى كينونات راتعة خانعة , تنفذ إرادة مَن تتيع , والذي يخرج عن قبضتها يكون في عداد المخطوفين والمغيبين والمفقودين , واللعنة على القوى المجهولة والطرف الثالث الأثيم!!
د-صادق السامرائي