ينظر كثير من المراقبين إلى القمة العربية العادية الخامسة والعشرين التي تستضيفها الكويت يومي 25 و26 من الشهر الجاري، على أنها ستكون قمة استثنائية في ضوء التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة، إلا أن جدول أعمالها ربما سيكون حافلاً بعدد من الملفات الخلافية الشائكة والتحديات التي يصعب تجاوزها نظراً للانقسامات الشديدة حول الملفات التي ستطرح على طاولة البحث والحوار. وبالرغم من الأمل بأن تتحول القمة من اجتماعات برتوكولية الى قمة لتصحيح مسار الأمة ورفع مكانتها دولياً ومعالجة أزماتها المستعصية وبناء قدراتها وتوحيد كلمتها، إلا أن الخلافات الشديدة حول كثير من الملفات الساخنة التي سيتم طرحها قد تعمق هذه الانقسامات بدل أن ترأب الصدوع في العلاقات بين الدول العربية. بعض الصعوبات والتحديات التي تواجهها قمة الكويت شبه دائمة تتكرر في كل قمة عربية، وبعضها استجد نتيجة الأوضاع التي تمرّ بها المنطقة، ولعلّ أبرز هذه التحديات:
أولاًـ الموقف حيال سوريا وشغور مقعدها في الجامعة العربية، إذ أن تفجر الأوضاع فيها دفع غالبية الدول العربية بتأثير من المملكة العربية السعودية إلى إحلال مندوب للمعارضة السورية بديلاً عن حكومتها، ومما لا شكّ فيه فإن هذا الإجراء مخالفة صريحة لميثاق الجامعة العربية الذي يعرّف الدولة العضو فيها بأن (تكون ذات أرض وشعب وسيادة)، وهذه المحاولة تتجاوز وتتجاهل ميثاق الجامعة مثلما تتجاهل أن سوريا هي واحدة من الدول المؤسسة للجامعة. ومن الواضح إن غالبية الدول العربية انساقت خلف المحور السعودي الذي يحاول بالرشاوى التي توفرها إمكانياته المادية الضخمة استدراج مواقف الدول العربية.
ثانياً ـ تعثر المصالحة الفلسطينية نتيجة الخلافات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، وقد تعمق هذا الخلاف خلال المدة التي حكم فيها (الإخوان المسلمون) مصر. إن استمرار الخلاف وتجذره سينعكس سلباً على مجمل الوضع الفلسطيني ويوفر لإسرائيل فرصة الاستمرار باعتداءاتها على الشعب الفلسطيني ومصادرة حقوقه المشروعة في استعادة أراضيه المحتلة وبناء دولته المستقلة على الأراضي المحتلة في حزيران 1967.
ثالثاً ـ الإرهاب الذي يجتاح دولاً عدة في المنطقة العربية كالعراق ومصر وسوريا وليبيا والصومال واليمن، وتتطلب معالجته ومكافحته استراتيجية عربية تعتمد على عنصرين أساسيين أولهما تنسيق الجهود العربية لمكافحة الإرهاب وتجفيف مصادره، وثانيهما تعزيز الوحدة الوطنية في البلدان العربية من خلال النأي عن الاستئثار بالسلطة والاستبداد الذي تعاني منه الدول العربية والتأكيد على المشتركات حفاظاً على وحدة البلدان العربية المهددة بالتفكك والنزعات الانفصالية.
رابعاً ـ الصراع الذي تفجر في مجلس التعاون الخليجي مؤخراً، فمنذ وقت ليس بعيداً كانت الآمال معقودة على تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد، فيما نشهد اليوم تفجراً لخلاف بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى بما أدى إلى أن تسحب الدول الثلاث سفراءها من قطر. ويبدو أن مجلس التعاون الخليجي قد انقسم إلى فريق أحدهما الفريق السعودي ومؤيدوه الذين يدعمون التيار السلفي في المنطقة والآخر قطر التي تدعم الأحزاب المنبثقة من رحم الإخوان المسلمين أو التي تدور في فلكهم. لقد تحول الحذر واليقظة إزاء الإخوان المسلمين فى بعض دول الخليج إلى الخوف بعد وصول الجماعة إلى السلطة في مصر وتونس فالسعودية تخشى كثيراً من النفوذ الإخواني المتصاعد والساعي للاستيلاء على كافة المنابر بحيث قد يصبح التنظيم منافساً للمملكة على الساحتين الإسلامية والعربية، وتجلى هذا الخلاف والصراع في أوضح صوره بما يحدث في الساحة السورية من اقتتال بين التنظيمات المسلحة فيها.
خامساً ـ لعلّ أبرز التحديات التي تواجهها القمة العربية في الكويت هي سيطرة المملكة العربية السعودية على موقف وقرار الدول العربية نتيجة قدراتها المادية العملاقة، فأصبحت السعودية وحلفاؤها المقرر الرئيسي في جامعة الدول العربية.
سادساً ـ فشلت جامعة الدول العربية في تعزيز العلاقات العربية المبنية على المصالح المشتركة، فعلى سبيل المثال لا الحصر يوجد اليوم (20) مليون عربي عاطل عن العمل بحسب إحصاءات منظمة العمل العربي فيما يستحوذ (17) مليون أجنبي على وظائف في مجلس التعاون الخليجي فضلاً عن أن الدول الخليجية تقوم بإجراءات مستمرة لإلغاء عقود العمال العرب بما سيضيف أعداداً أخرى إلى قائمة العاطلين عن العمل. كما لم تحرز سياسة التعاون العربي نجاحات تُذكر في مجال الربط الكهربائي وسكك الحديد وتعزيز العلاقات الاقتصادية في الميادين المختلفة.
إنّ هذه التحديات تتطلب وقفة جادة من منظور عربي حقيقي بمشاركة جميع الدول العربية غنيها وفقيرها لمعالجة المشكلات والمخاطر الكبرى التي يعاني منها النظام الإقليمي العربي.
· الأمين العام للحركة الإشتراكية العربية