من قساوة الدنيا..أننا نستيقظ صباحاً فنسمع عن وفاة نجمين لامعين مثل ياس خضر وكريم العراقي المحبوبين جماهيرياً على المستوى المحلي والعربي ، مر يوم حزين برحيل الشاعر العراقي صاحب القصائد الرائعة في حب الوطن والمرأة والغزل الكريم في اسمه وقصائده ومشاعره .. أتذكر في إحدى لقاءاته ردَّ على سؤال الإعلامي عن بعض الفنانين الذين رغبوا بالعمل معه متسائلين لماذا أكثر قصائد كريم تذهب للساهر؟ فأجاب: ” هذه القصائد خُلقت لكاظم ومن غير الممكن أن يغنيها مطرب آخر ” ، وهذا أجمل ما قاله رحمه الله في لقاءته بالنسبة لي ، لأن الشاعر ليس شخصاً يكتب الكلام ويلقي الأبيات الشعرية أمام الناس بل أن يُخرج من قلبه وإحساسه جواهر تترجم إلى أعمال فنية متميزة وخالدة بصوت تُخلق له ، وهذا دليل ثقافة وإبداع الإختيار. كنّا نسمع عن شخصيات ثقافية من فنانين ورسّامين وكتّاب معروفين يحزن معجبيهم ومحبيهم لغيابهم الأبدي ، والحقيقة لم أشعر بهذا الأمر في السابق لكن العمر فعلاً بدأ يجري بل يمضي بسرعة البرق ، وصرنا جيلاً يودّع مبدعيه وزملاءه الذين يحكم القدر بوفاتهم في حادث سير أو معركة مع الارهاب رغم صِغر سنهم . تبقى الحياة مليئة بالغرابة ، ومن غرابتها مصادفة وفاة شاعرين رائعين للعراق بتأريخ واحد .. الشاعر الشعبي جبار رشيد في مطلع أيلول من عام 2020، وكريم العراقي وياس خضر بنفس اليوم من هذا العام ، ولكي لا نكذب على أنفسنا ونكون صريحين نحن جيل أو جمهور ليس بقارئ أو مثقف بإستثناء شريحة مثقفة واعية شكّلها أساتذتنا وكتّابنا وشعرؤنا ، وأذكر أن أحدهم قال لي: (ما أعرف كريم العراقي ما سامع بي)، بل أن البعض منا عرفه عبر صفحات الانستغرام والفيسبوك ، وهذا الأمر كان في صالح كثير من نجوم الإبداع الذين كُشف الستار عنهم أكثر بعد انتشار الثورة التكنولوجية في العالم الرقمي .. فالحمد لله هذه أيضاً من ايجابيات الإنترنت والسوشال ميديا التي ينتقدها البعض ، لكن العراقي رغم أنه كان نجماً، ونجوميّته تضاهي المطربين، إلا أنه كان إنساناً متواضعاً وكريماً بمشاعره وأخلاقه هذا ما ذكره الكاتب عبد الرزاق الربيعي ، وأنه من النادر أن يحقّق الشاعر نجوميّة في مجتمعاتنا العربيّة، لكن كثيراً ما كان يقاطع جلساته أينما حلّ شباب يطلبون التقاط صور تذكاريّة معه، ويضيف الربيعي، (من الطرائف أننا خرجنا ذات يوم من دار الأوبرا السلطانية، بعد حفل المطرب كاظم الساهر، وكان قد تزاحم الجمهور عليه، مثلما تزاحم على حفل الساهر، فخرجنا بصعوبة، متوجّهين إلى أحد المطاعم، فاشترطتُ عليه أن نطلب وجبة طعام (سفري)، تجنّبا للمعجبين، فوافق، وحين جلب عامل المطعم الوجبة إلى السيارة التي تقلّنا، وكان مصريّ الجنسيّة، تفحّص وجه العراقي، وصاح: الله ! ايه النور ده، كريم العراقي؟ ممكن اتصوّر معك؟ فإلتفت لي كريم ضاحكاُ ، وقال: شفت شلون أبو دجلة؟ هاي ما لي علاقة بيهه وين أضم روحي بعد؟، وكان كريماً معه، كما هو الحال مع جميع من يقابله، رغم كل ما مرّ به من صعوبات وانتكاسات). قصائد العراقي كثيرة وجميعها رائعة لأنها تحمل فكرة وأحلاها لما استعارت معطفي، وشكد صار اعرفك ماعرفتك، لا تشكو للناس جرحاً أنت صاحبهُ ، ودكيت باب الجار كل ظنتي بابك .