نظرة تاريخية
لم تقترن الشهادة والحرية برمز في تاريخ الإنسانية كما اقترنت بالحسين (عليه السلام) لذلك كان أسم الحسين منارا وملاذا لكل الاحرار ، وتشكل الزيارة الاربعينية أحدى مراسيم الاحتفاء بذكرى شهادة الامام السبط الشهيد والتي يتم فيها احياء ذكرى أول زيارة الى قبر شهيد كربلاء من قبل الصحابي جابر بن عبد الله الانصاري ختاما لفعاليات الشعائر الحسينية التي تستمر خلال شهري محرم وصفر من كل عام .
لطالما شكلت الزيارة الاربعينية على مدار التاريخ مظهرا من مظاهر الرفض والاحتجاج ضد الظلم والظالمين ، ولقد شهدت تلك الزيارة المقدسة ومراسيمها خلال الحقب التاريخية مضايقات ومواقف متشددة من جميع السلطات الظالمة التي تعاقبت على حكم العراق بدءً من الامويين والعباسيين وصولا الى العثمانيين وختاماً بحكومة البعث الاجرامية التي حاولت بمختلف أساليبها القمعية والارهابية ثني الزوار ومنعهم عن اداء الزيارة الاربعينية الا ان كل تلك المحاولات من الحكومات الظالمة وحكامها المجرمين باءت بالفشل لتستمر الحشود الحسينية في إحياء هذه المظاهرة الدينية رغم أنوف الظالمين والحاقدين في الماضي والحاضر .
عالمية الزيارة الاربعينية
لقد تحولت الزيارة الاربعينية بعد سقوط نظام البعث المجرم الى مظاهرة مليونية سنوية تكاد تكون لا نظير لها في العالم على كل الاصعدة والمستويات ، ولعل أكثر ما يميزها هو حضور ومشاركة الأطياف الانسانية من كل القوميات والاديان والطوائف للتشرف بالمشاركة بالمسير على الاقدام لزيارة الامام الحسين (عليه السلام) او خدمة زواره ، وأصبح من الطبيعي ان تجد المسيحيين والصائبة المندائيين والبوذيين ممثلين عن أديانهم في مواكب الخدمة للزائرين وكذلك الحال لإخواننا السنة بالإضافة الى تواجد مواكب الخدمة من أستراليا والصين وإيران وبريطانيا وهولندا وغيرها من دول العالم لخدمة زوار الاربعينية ، لقد عرفت الانسانية الامام الحسين (عليه السلام) اماما ورمزا للتضحية والحرية في سبيل الكرامة الإنسانية وحقوق الانسان ولذلك بادرت للمشاركة في هذه الزيارة لإظهار احترامها لهذا الرمز الثوري العظيم .
من اقصى البقاع تتوافد الزوار بالملايين لتعلن عن انتمائها وولائها لسبط الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) لتشكل تظاهرة شعائرية كبرى تفوق في اعدادها وامكانياتها بإضعاف مضاعفة لشعيرة الحج والتي تمثل موسما عالميا للمسلمين للاجتماع وإحياء شعائر الله ، وبنظرة عابرة لإحصائيات الزيارة الاربعينية للإمام الحسين (عليه السلام) في العام (2022) سنتعرف على أعداد الزائرين وهوياتهم وتنوعهم ، فلقد شارك أكثر (21) مليون زائر من (80) دولة بواقع ( 17.5 مليون زائر عراقي ، و259 ألف زائر عربي ، 4 ملايين زائر أجنبي ) ، كما شهدت الزيارة مشاركة واسعة لمواكب الخدمة الحسيني والتي بلغت (12452) موكباً للخدمات الغذائية والصحية والأستراحة وبواقع (12281) موكب من العراق و(171) موكبا من خارج العراق ، كما بلغ عدد المتطوعين لخدمة الزيارة (32،649) متطوع .
اما على صعيد الاعلام فلقد شارك أكثر من (1689) صحفي بواقع (900 عراقي ، 529 عربي ، 26 اجنبي) صحفيا ، بالإضافة الى (34) سيارة بث ( (sngلتغطية فعاليات الزيارة الاربعينية ، ومع ذلك نلاحظ مع الأسف حجم التغييب والتعتيم للزيارة الاربعينية على صعيد الإعلام العربي بعكس الإعلام الأجنبي لمثل هذه الزيارة المليونية التي لا يوجد لها نظير في العالم على مستوى الفعاليات الاجتماعية الدينية وسندرك حتما مدى الخشية التي تراود بعض الطائفيين من ان يصل صوت الحسين (عليه السلام) الذي هو صوت الاسلام الحقيقي الى دولهم ومجتمعاتهم .
الاربعينية مظهر للولاء الخالص لأهل البيت (عليهم السلام)
ولذلك تؤكد المرجعية الرشيدة ان هذه الشعيرة وما تشهده من مظاهر اعجازية لم تأتي اعتباطاً بل هي صورة من صور العطاء الحسيني والولاء الذي تجسده هذه الجموع البشرية لرمزها وموحد صفوفها الامام الحسين (عليه السلام) بالرغم من حرارة الطقس والشمس الحارقة ، ويشير سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي الى دلالة هذه التظاهرة الحسينية واسبابها بـ (عمق الولاء وصدق المودّة التي يحملها شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لأئمتهم (عليهم السلام) التزاماً بقوله تعالى (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى/23) ، وبالوصايا الكثيرة من النبي (صلى الله عليه وآله) بأهل بيته (عليهم السلام) الذين جعلهم عدلاً للكتاب، وقد كانت هذه المودّة دافعاً للتفاني والإقدام على الموت وبذل الغالي والنفيس وتحريك هذه الملايين ليأتوا مشياً على الأقدام من مسافات تجاوزت خمسمائة كيلومتر أحياناً في ظل البرد القارس والمطر الشديد أو حرارة الشمس اللاهبة مما أذهل العقول عن إدراك تفسيرها وانعدم نظيرها ) .
تنقية الزيارة من الشوائب
ولأن الزيارة الاربعينية أصبحت مظهراً لعالمية القضية الحسينية لذلك يجب ان نحرص على إظهارها بما يليق بصاحب المناسبة والحفاظ على أصالتها ونقاوة شعائرها من الشوائب ، وعدم القيام ببعض الأفعال المبتدعة والتي تشوه صورتها وتسيء لجلالها ، كما يحدث مثلاً من تجمع لبعض زوار المحافظات في أقصى مناطق محافظة البصرة للتطيين قبل الانطلاق صوب كربلاء ، بالإضافة الى بعض مظاهر الاختلاط المؤسفة والتي حذر منها سماحة المرجع كثيرا وخصوصا اثناء المسير من مسافات بعيدة الى كربلاء او اثناء عودة الزوار من كربلاء الى محافظاتهم وما يحصل من مخالفات شرعية بسبب أزمة وسائل النقل .
إن نقد الظواهر السلبية يجب أن يشمل جميع تلك الظواهر المنحرفة والمبتدعة والمرفوضة شرعاً وعقلاً والتي هي تشويه للنهضة الحسينية وللزيارة الاربعينية الشامخة والخالدة ، و(التطيين) ليس من الشعائر ، والحسين (عليه السلام) لا يرضاه لشيعته ، والاختلاط من أبغض المحرمات عند الله تعالى وأهل البيت (عليهم السلام) الذين يوصون شيعتهم مراراً وتكراراً (كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً) .
ويرصد سماحة المرجع هذه المخالفات والظواهر التي تقدح في بهاء الزيارة وقداستها ويدعو الى تصحيحها والتركيز على جوهر القضية الحسينية وأهدافها ومضامينها العالية : (تحول الكثير من المراسيم في زيارة الأربعين والشعبانية إلى ما يشبه الفلكلور الشعبي الذي اعتادته كثير من الأمم ووضعت له برامج وفعاليات من دون أن يستلهم معاني الثورة الحسينية، والأهداف التي سعى الإمام (عليه السلام) لتحقيقها وطالب الأجيال كلها بنصرته في تحقيقها، فواجبنا اليوم تنقية هذه الشعائر المقدسة وصيانتها من الانحراف عن مسارها الذي وضعه لنا أهل البيت (عليهم السلام) وترسيخ القيم والمبادئ التي شادتها الثورة الحسينية المباركة، وهي إصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة السنة وإماتة البدعة وتحرير العباد من طاعة الشيطان والأهواء والطواغيت ليعودوا إلى عبادة الله تعالى وحده ) .
دقة التنظيم ببركة اللطف الإلهي
أصبحت الزيارة الاربعينية تشكل الحدث الإسلامي الأبرز مناصفة مع موسم الحج في مكة من حيث المشاركة الجماهيرية وحجم التغطية الاعلامية .
بل إن الزيارة الاربعينية تتفوق على موسم الحج على صعيدين المشاركة الجماهيرية (22 مليون زائر) والخدمات المجانية الشاملة التي تقدم خلال الزيارة من قبل المؤسسات والهيئات والمواكب الحسينية والتي تبدأ من العشرين من محرم إلى ما بعد العشرين من صفر ..
ولذلك اضحت الشعائر الحسينية عموما والزيارة الاربعينية خصوصا جزءا لا يتجزأ أو ينفك من ملامح الهوية الإسلامية عموما والشيعية خصوصاً ، الزيارة الاربعينية أصبحت من الأحداث العالمية المهمة لأسباب كثيرة ومن جهات عديدة ، وأهمها هو التوافد من كل أنحاء العالم للمشاركة بفعالياتها على نحو الزيارة أو المسير أو تقديم الخدمات في الهيئات والكواكب للزائرين أو للتغطية الاعلامية العالمية لهذه المظاهرة الدينية الكبيرة والمهمة .
التغطية الاعلامية للزيارة الاربعينية هي الأخرى شهدت في السنوات الأخيرة طفرة وتطورا نوعيا وكميا بحيث أن حجم المشاركة الدولي وصل إلى أعداد هائلة لنقل فعاليات الزيارة والمسير إلى كربلاء وبمشاركة القنوات الفضائية الأوروبية والإفريقية والامريكية والآسيوية …الخ .
وتلفت المرجعية انظار الجميع الى الديناميكية الكبيرة التي تتجلى في المحركية الهائلة التي تشهدها كربلاء الامام الحسين (عليه السلام) في خضم فعاليات الزيارة الاربعينية والتي رغم الحشود المليونية التي تشارك بها الا انها تسير بانتظام عالي ونسق غاية في الدقة والالتزام رغم العوائق والمخاطر التي قد يشكلها وجود مثل هذا الزخم البشري الكبير في مدينة صغيرة مثل مدينة كربلاء ويشير سماحته بوضوح الى هذه الظاهرة الايجابية متسائلا عن سر هذه الألطاف الالهية التي تساهم في إظهار مراسيم الزيارة الاربعينية بمثل هذه الصورة الايجابية بقوله : ( إن أي جيش في العالم يجنّد مئات طائرات النقل وآلاف العربات والشاحنات لتموين وتجهيز قطعاته المنتشرة في مساحة معينة ؛ ومع ذلك يحصل عنده العجز والخلل ، وهو أقل عدداً من هذه الملايين الزاحفة ولا يغطي مساحة بسعة المدن والمناطق التي انطلقت منها هذه الحشود الزاحفة إلى قبر أبي عبد الله (عليه السلام) ، فما هذه المحركية الهائلة التي تجنّد الجميع في إقامة الشعيرة المقدسة بين من يمشي على قدميه وآخر يقدّم الطعام والشراب وثالث يقوم بالخدمات الطبية ورابع يسعف الزائرين ويتبرك بغسل أقدامهم ).
ويعلل سماحة المرجع اليعقوبي بيان الاسباب وراء هذه الظاهرة الحسينية الفريدة ومواقفها الاستثنائية على الصعيد الإنساني وتأثيرها في نمو وازدهار الزيارة الأربعينية واعتبر سماحتُهُ ( ان هذه المواقف الفريدة باب من أبواب اللطف الإلهي مما ادى الى انتشار هذه المسيرة المهيبة بفضل الله في مختلف دول العالم ويصل طول بعضها عدة كيلو مترات سيراً على الأقدام ).
الزيارة الاربعينية والتغيير المنشود
ان الحشود المليونية التي تزحف إلى كربلاء في الاربعينية يجب أن يكون هدفها التزود من المبادئ الحسينية واستلهام الدروس والعبر من تلك النهضة الاصلاحية المباركة واحيائها في واقعهم لمواجهة الظلم والفساد بكافة اشكاله ، ولذلك يوضح المرجع اليعقوبي في خطابه (البيان الختامي للزيارة الاربعينية المليونية) الهدف الأسمى للزائرين (خصوصا من خارج العراق) من مشاركتهم في الزيارة (الزوار الذين وفدوا من أصقاع الأرض إلى المشاهد المقدسة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) لينهلوا من معينهم الصافي كل قيم الصلاح والحرية والكمال والمبادئ الإنسانية العليا، وليرفضوا كل أشكال الظلم والفساد والانحراف والطغيان والاستعباد ) .
اما الزوار العراقيون فإن سماحة المرجع يأمل أن تكون جذوة المشاركة في الزيارة الاربعينية محفزا ودافعا لهم للمبادرة باجتثاث أصول الظلم والفساد ومن يقف خلفه من تجار الحروب وسرقة المال العام ورعاة الطائفية ، وان تبادر تلك الجموع المؤمنة الحسينية قبل غيرهم من المؤدلجين ، لدك حصون الفاسدين واقتلاع جذور الفساد والاستئثار ( إن اليوم الذي تتوجه فيه هذه الملايين لاقتلاع الظلم والفساد من جذوره ليس ببعيد بعد أن استلهمت من زحفها المبارك نحو ضريح أبي الأحرار وسيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) كل معاني الإصلاح والحرية والحياة الكريمة ورفض الذلّ والهوان والاستعباد والاحتقار والإهمال، ما لم يتدارك الظالمون الفاسدون أمورهم بالتوبة والعمل الجاد الصادق لرفع الظلم والحيف عن الشعب العراقي الكريم ).
ملامح من العطاء الحسيني
اما عن النتائج الايجابية والمثمرة على الصعيد العقائدي لهذه الزيارة المليونية المباركة فيعبر المرجع اليعقوبي عن اطمئنانه الى تأثير هذه المسيرة الحسينية إيجاباً في إدخال السرور على قلب الامام المهدي (عليه السلام) ، ويشير سماحته كذلك الى جملة من النقاط الإيجابية التي تشكل مصدر السرور للإمام والتي أهمها ، التعبير عن عميق المودة والولاء للإمام الحسين (عليه السلام) من قبل ملايين الموالين ، وادخال السرور على قلب النبي الاكرم واهل بيته (عليهم الصلاة والسلام) من خلال مواساتهم في مصابهم والتزاما بتوجيهاتهم بإحياء أمرهم ، وإظهار كرامة الامام (عليه السلام) بما حظي به من تكريم الله تعالى ، بالإضافة الى الثواب العظيم للزائرين .
( وإني مطمئن إلى أن الجهود المخلصة الواعية تدخل السرور على قلب إمامنا المهدي الموعود (صلوات الله وسلامه عليه) وتدعوه إلى تعجيل ظهوره المبارك وهو يرى الملايين من شيعته من عشرات الدول يجتمعون عند ضريح جدّه سيد الشهداء (عليه السلام) معلنين نصرتهم وطاعتهم المطلقة له (عليه السلام) والتحرر من سلطان الهوى والذّل والتبعية والتخّلف والجهل، فعلينا أن نديم زخم الانتصار على النفس الأمارة بالسوء وعلى شياطين الجن والإنس ) .
كما يلفت سماحة المرجع اليعقوبي أذهاننا وأنظارنا الى جملة من النتائج المهمة الاخرى والتي منها ، أن شعائر الامام الحسين (عليه السلام) وسيلة لهداية الآخرين وبفضل هذه الشعائر عاد الكثير الى الهدى والصلاح والاستقامة .
وعلى مستوى العطاء الحضاري لهذه المسيرة المليونية الراجلة التي تشهدها فعاليات الزيارة الاربعينية يرى سماحة المرجع ( أن المسيرات السلمية وسيلة حضارية تتبعها كل الأمم المتحضرة للألفات النظر إلى قضاياها والمطالبة بحقوقها ودفع الآخرين للسؤال والفحص عن المشروع المحرِّك لها، وهذا ما تحقق إذ صار العالم كله يتساءل اليوم عن الإمام الحسين وأهل البيت (عليهم السلام) والشيعة، والسؤال مفتاح الوصول إلى الحقيقة).
وعلى الصعيد العقائدي والمواجهة مع الغزو الثقافي ومحاولات مسخ الهوية الاسلامية من قبل الاستكبار العالمي واذنابه المتطرفين والمستحمرين ، فلقد شكلت هذه المسيرة الحسينية درعاً حصيناً استطاع احباط الكثير من المشاريع الخبيثة ، ويؤكد سماحة المرجع اليعقوبي هذه النتيجة وأهميتها على صعيد المواجهة الثقافية بمساهمتها في إحباط (محاولات الأعداء المتنوعين التي تستهدف الشعب العراقي الأبي وهذا البلد الكريم، لإفساده وإخضاعه وإرعابه وتدجينه وسلخه من هويته الإسلامية الأصيلة) ، ويذكر سماحته نماذج لتلك المحاولات التي استهدفت الشعب العراقي والتأثير الكبير المبارك للزيارة الاربعينية والمسير الى قبر الامام الحسين (عليه السلام) بقوله : (حاول الإرهابيون بكل وسائل القتل والتدمير والجريمة إخافته، وحاول الاحتلال تدجينه وتحويله إلى جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير بل رأس الحربة فيه ، وحاولت تقنيات الإغراء والغواية والتضليل إفساده وإبعاده عن إسلامه الأصيل ففشل الجميع ، ببركة هذه المسيرات المليونية).
الحرص على وحدة الكلمة
ومن أهم ثمرات الزيارة الاربعينية الاخرى في رؤى المرجع اليعقوبي هي ان هذه الشعيرة ( توحّد الأمة بكل طوائفها وقومياتها وتوجهاتها الاجتماعية والسياسية ومختلف انتماءاتها الجغرافية والعشائرية ) وهذا ما يتجلى بوضوح في المشاركة الكبيرة والمنوعة لجميع الناس على اختلاف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم في هذه الزيارة ومراسيمها .
بذلك فأن من أهم القضايا التي يجب الحرص عليها والدعوة اليها في اجواء الزيارة الاربعينية هي وحدة الكلمة والموقف ورص الصفوف ونبذ الخلافات والتصدي لأي محاولات من قبل الاعداء للتشويش على الزيارة من خلال اثارة الفتن والاختلافات او محاولة بعض الاطراف تيسييس الفعاليات والشعائر بغرض تصفية الحسابات ونقل الصراعات الى اجواء الزيارة الاربعينية ولذلك يوجه سماحة المرجع المؤمنين ويلفت انتباههم لتجنب الدخول في مثل هذه الاشكالات : (ندعو الى استثمار الأجواء المباركة للزيارة الأربعينية في توحيد الكلمة ومواجهة التحديات برصِّ الصفوف وسدِّ الثغرات التي يمكن أن ينفُذَ منها الأعداء لينالوا من همّة المؤمنين ويثبّطوا من عزيمتهم ) .
دور الزيارة الاربعينية في جهوزية الأمة
ويبرز المرجع اليعقوبي نتائج أخرى لا تقل اهمية للزيارة المليونية للإمام الحسين (عليه السلام) ومنها ، ان هذه الممارسة التعبوية تساهم في جهوزية الامة وحضورها الميداني الدائم ولعل أوضح مصاديق ذلك هو الحضور التاريخي للشباب الحسيني في الحشد الشعبي العقائدي والذي استطاع مواجهة العصابات التكفيرية وتحرير كامل الاراضي العراقية بعد أن ساهم في اعادة الروح للأجهزة الامنية وقواتنا المسلحة بعد انتكاسة احتلال الموصل في (2014) م .
الزيارة وإسقاط رهانات الاعداء
وأخيرا فان من النتائج المهمة الاخرى للزيارة الاربعينية بحسب رؤيا المرجعية الدينية الرشيدة هو اسقاطها لكل رهانات مسخ الهوية الاسلامية للشعب العراقي ، او محاولة الالتفاف على هوية الاكثرية الشيعية في العراق خصوصا من قبل الدول الاقليمية والتي يشكل الوجود الشيعي في العراق مصدر قلق دائم لها بسبب عدم خضوع السلطة فيه لمشاريعها ومخططاتها الطائفية ، ومن جهة أخرى لما يعانيه الشيعة في تلك البلدان من قمع واضطهاد واسع على صعيد الحريات والحقوق .
الزيارة الاربعينية مظهر الانتصار الالهي للنهضة الحسينية
لقد تجلى للعالم اجمع من خلال مراسيم الزيارة الأربعينية عظمة الدين الإسلامي ومبادئه السامية العليا والتي أصبح محورها الامام الحسين (عليه السلام ) بكل ما تمثله نهضته من معالم للحرية والإنسانية والعدالة والثورة ، ويبين المرجع اليعقوبي أهمية الدور الكبير للإمام الحسين (عليه السلام) والزيارة الأربعينية في إظهار الدين الاسلامي :
( أن من مظاهر خلود الدين بأجلي صورهِ هو وجود الزيارة الأربعينية التي ساهمت في التعريف بالتعاليم السماوية والمبادئ النورانية للدين الاسلامي من خلال المنهج والمسار الذي انتهجه الأئمة المعصومون (عليهم السلام) وشاء الله تعالى أن يكون الامام الحسين عليه السلام أوسع الطرق وأوضحها وأقربها الى الوجدان الانساني).
الظاهرة الحسينية العجيبة المتمثلة بالزيارة الأربعينية الإعجازية في كل تفاصيلها بما حفلت به من مواقف عقائدية واعية ومشاهد انسانية نبيلة والعطاء والسخاء غير المحدود والجهود الجبارة المضنية التي يبذلها المتطوعين على مدار شهر كامل من تقديم الخدمات بجميع صنوفها للحشود المليونية كلها كانت حباً وولاءً للامام الحسين (عليه السلام) ، ويعبر المرجع اليعقوبي عن هذه الظاهرة الحسينية الإنسانية العقائدية الإعجازية بالقول : (وقد بدأ العالم يتساءل عن هذه الظاهرة العجيبة والمشاهد النبيلة التي تعجز عن وصفها الألسن وتحير العقول ، ما هذه العلاقة العجيبة؟ وما هذه المودّة الرائعة؟ ما الذي صنعه الامام الحسين (عليه السلام) بنفوس هذه الملايين ووحّدهم وهم من مختلف القوميات والجنسيات والثقافات؟ كما ان ضيافة العراقيين وكرمهم وجودهم بكل ما عندهم حيث تراهم يتسابقون على ضيافة الزوّار وخدمتهم.. ثم توديعهم بالحفاوة والتكريم ودموع الحزن على فراقهم، مما أذهل العقول ) ..
ان بقاء هذه الاثار المباركة للنهضة الحسينية في نفوس المؤمنين هي التي أسهمت بصورة رئيسية في بقاء الدين وديمومته والحفاظ على معالمه من التشوه والاندثار ببركة التضحية الحسينية التي صدحت بحقيقتها العقيدة زينب (عليها السلام) ويوضح المرجع اليعقوبي هذه الحقيقة الساطعة :
(ولا شك انه مصداق بيّن وواضح لقول العقيلة زينب (عليها السلام) (فوالله لن تمحو ذكرنا)، أي لن تمحو دين الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) )
إن هذه النتائج التي شخصتها المرجعية الرشيدة وعمدت على توضيحها ، تبرز وبوضوح الأهمية الكبيرة للزيارة الاربعينية ، والتي تشهد اكبر مسيرة راجلة في العالم ، يتسابق خلالها الملايين من عشاق الحسين ومن مختلف أصقاع الدنيا لإظهار معالم المحبة والولاء ، من خلال المشاركة في المسير الحسيني او التشرف بالخدمة للزائرين عبر نافذة المواكب الحسينية ، ولتؤكد هذه الحشود المليونية للعالم أجمع صورة وحقيقة الاسلام المحمدي الوجود الحسيني البقاء ..