لاتهدف هذه المقالة للترويج لانتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة في اقليم والتي نرى أنها غير مكتملة الجوانب للتنفيذ بسبب الخروقات الدستورية والقانونية التي وردت في قانون الانتخابات فضلاً عن عدم مشاركة قوى سياسية لديها قواعد شعبية كبيرة ومستقلين في الانتخابات ، بعد ان تضاءلت آمالهم بعد إعتماد نظام انتخابي (تمثيل نسبي) وصيغة توزيع مقاعد(سانت ليغو) لاتدعم الاحزاب الصغيرة والمرشحين الفرديين ، ولكنها تسعى الى توضيح الجوانب الدستورية والقانونية لتشريع قانون الانتخابات وإستمرارية المجالس بالعمل بعد حلها في عام 2019.
وعودة الى سؤال يطرح بكثرة منذ صدور قانون تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات قبل عدة أشهر مفاده : لماذا يُعدل قانون الانتخابات ؟ ولماذا العودة الى إجراء الانتخابات بعد حل مجالس المحافظات في 2019 وتوقف عملها ؟ وماذا قدمت هذه المجالس طيلة ما يقرب من 20 عاماً.
الجواب ببساطة : هو أنه مع الاستفتاء على دستور 2005 ، تحوّل النظام الاتحادي في العراق إلى صيغة رسمية لتَشارك السلطة ، وقد نص الدستور العراقي على ذلك ، إذ تناول اختصاصات السلطات الاتحادية وسلطات الاقاليم والمحافظات التي لم تنتظم في اقليم والعاصمة بغداد والادارات المحلية في المادة ( 116 ) الواردة في الفصل الأول الباب الخامس ، والمادتين (122 و 123) الواردتين في الفصل الثاني من الباب نفسه والمعنون (المحافظات التي لم تنتظم في إقليم).
وكانت غاية الدستور هو السعي الى اللامركزية بغية تعزيز المشاركة المحلية والاستقلال الذاتي ، وحل عدم المساواة في التوزيع ، وإعادة توزيع السلطة وتقليل التوترات العرقية و / أو الإقليمية ، وكطريقة لتحسين فعالية التكلفة ، والسماح للوحدات المحلية بالتحكم بشكل أفضل في الموارد والإيرادات ، وتعزيز المساءلة.
ولعل الدستور يتناول بقدر من التفصيل السلطات الحصرية للحكومة المركزية وسلطات الأقاليم والمحافظات، في حين قُنّنت اللامركزية للمرة الأولى عبر القانون رقم 21 لسنة 2008 المعروف بقانون (المحافظات غير المنتظمة في إقليم) الذي يسري على (15) من (18) محافظة عراقية ، مع استثناء محافظات إقليم كردستان الثلاث. وقد شُرعَ هذا القانون لغرض تنظيم الاختصاصات والصلاحيات بما ينسجم مع شكل الدولة الجديد القائم على أساس النظام الاتحادي الفدرالي والنظام اللامركزي ، حسبما ورد في الأسباب الموجبة.
وفي نفس العام جرى تشريع قانون انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 36 لسنة 2008 بمناسبة إجراء انتخابات المجالس عام 2009، لذلك يعد قانون انتخابات المحافظات غير المرتبطة بإقليم والاقضية والنواحي جزءاً من الاطار القانوني لللامركزية في العراق ، وجرت بموجبه انتخابات مجالس المحافظات في كانون الثاني 2009 ، ثم جرى التعديل الثاني والثالث والرابع الذي أُجريت بموجبه انتخابات مجالس المحافظات في نيسان عام 2013. إلا انه بعد هذه الانتخابات لم تجرِ الإنتخابات المقرر تنفيذها في عام 2017 ولغاية اليوم ، في حين أصدر مجلس النواب القانون رقم 12 لسنة 2018 . تبعه التعديل الأول للقانون بالقانون رقم (14) لسنة 2019 ، ثم جرى التعديل الثاني للقانون بالرقم 27 لسنة 2019 ، كما تم التعديل الثالث للقانون رقم (4) لسنة 2023 ” التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018″ ( نُشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4718 ، السنة 64 ، بتأريخ 8 مايس 2023). حيث حدد مجلس الوزراء يوم 18 كانون الأول 2023 موعداً لإجراء إنتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم.
أما سبب حل مجالس المحافظات في عام 2019 ومن ضمنها مجلس محافظة كركوك ، فقد جاء تنفيذا لمطالب المتظاهرين في بغداد وباقي المحافظات العراقية الداعية للإصلاح ، وذلك في جلسة خاصة لمجلس النواب ، صدر عنها القرارين ( 5 و 6) يوم 28 تشرين الأول 2019، وعززه القانون رقم (27) لعام 2019 الذي أكد على حل مجالس المحافظات والأفضية والنواحي ، إلا أن هذه القرارات واجهت انتقادات كبيرة وطعن عدد من المجالس ضدها ، بحجة أن البرلمان لا يمتلك صلاحية حل مجالس المحافظات بقرار، وقيل حينها (أن هذا القرار غير دستوري أو قانوني) ، إلا أن المحكمة الاتحادية العليا أصدرت قرارها في الدعوى المرقمة 155 / إتحادية 2019 وموحداتها 157 و 160 و 161 و 162 و 164 و 5 و 166 و 167 و 168 و 171/ 2019 و 5/ 2021 ، التي أقّرتَ بدستورية مجالس المحافظات ، وقد جاء رداً على طعن تقدم به عدد من أعضاء مجالس المحافظات ، من بينها كركوك ونينوى ، إزاء القرارات التي أصدرها مجلس النواب عام 2019 المشار اليها آنفاً ، والتي تضمنت حل مجالس المحافظات.
وقد نصت في الفقرة (13) من قرارها أعلاه على : ” يكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق وفقاً لما جاء في المادة (116) من الدستور من عاصمة واقاليم ومحافظات لامركزية وادارات محلية ، وبذلك فأن النظام الاتحادي يقوم على اساس اللامركزية الادارية ولا يقوم على اساس اللامركزية السياسية ، ونصت الفقرة (14) على : ” أن ادارة المحافظات في العراق يقوم على أساس اللامركزية الادارية وليس على اساس اللامركزية السياسية إذ نصت المادة (122/ ثانياً) من الدستور على : ” تمنح المحافظات التي لم تنتظم في اقليم الصلاحيات الادارية والمالية الواسعة بما يُمّكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الادارية وينظم ذلك بقانون”. في حين نصت في الفقرة (17) من القرار أعلاه : ” ان اصل وجود مجالس المحافظات هو الدستور ووفقاً لما جاء في المادة ( 122 رابعاً) منه والتي نصت على – ينظم بقانون انتخاب مجلس المحافظة والمحافظ وصلاحيتهما – لذا فإن وجود تلك المجالس حقيقة دستورية لا يمكن تجاوزها ولا يجوز للسلطة التشريعية ان تُشّرع قانون يتضمن الغاء تلك المجالس لتعارضه مع الدستور والمبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.”.
ومن ثم أعلنت المحكمة بأن تعليق عمل مجالس المحافظات موافق للدستور ولا يعني إلغاء وجود تلك المجالس كهيئة محلية دستورية ، ذلك عندما أصدرت بياناً يوم الثاني من حزيران، حول قضية “حل” مجالس المحافظات والأقضية والنواحي ، اعتبرت فيه وقف استمرار عمل مجالس المحافظات يعد دستورياً ، وجاء في بيان المحكمة ، ” … إنّ إستمرار عمل المجالس المنتخبة سواء كانت مجالس وطنية أو هيئات محلية بعد انتهاء دورتها الانتخابية يمثل خرقا لحق الشعب في التصويت والانتخاب والترشيح وتجاوز لإرادة الناخب” ، كما أشار البيان الى أن ” ما ورد في الفقرة ثالثا من المادة 1 من قانون رقم 27 لسنة 2019 التعديل الثاني لقانون انتخاب مجالس المحافظات والاقضية رقم 12 لسنة 2018 لايعني الغاء وجود مجالس المحافظات كهيئة محلية دستورية وانما وقف استمرار عمل تلك المجالس لتجاوزها المدة المحددة لها وان ذلك يمثل عودة الى ارادة الشعب في تجديد انتخابها .”
ولما تقدم ، يتبين لنا أن الإبقاء على مجالس المحافظات وتشريع قانون لاجراء انتخاباتها يقع ضمن الأطر الدستورية والقانونية التي لابد من التقيد بها والعمل بموجبها ، ولا يعني عدم تقديم تلك المجالس للخدمات والأعمال التي تهم الشعب وما يكتنفها من فساد ترعاه أغلب القوى السياسية الكبير ، أن تُلغى المجالس ويتوقف عملها ، بل الحل يكمن بالاصلاح ومن ثم تفعيل دور هذه المجالس.