تنتاب القوى المتنفذة بكل ما تمثله من أحزاب دينية ومليشيات ودولة عميقة.. حالة هلع من احتمالات اندلاع احتجاجات شعبية بعد تفاقم أزمة الكهرباء وانقطاعها عن أجزاء واسعة في البلاد, في ظروف قيض خانق بعد عشرين عاماً من حكمها العضوض, وبات الشعب يُدرك تعمدها وإصرارها على عدم حلها رغم المليارات التي أنفقت ومازالت تنفق, حتى باتت هواجسها المريضة تتضايق حتى من أبسط المبادرات الفردية او من فعل إيجابي عابر, يظنون انها تتعرض لهم وتعرّض بهم وتسيء إليهم.
فقد حصلت فعاليات فردية بريئة وباندفاع ذاتي, ليس لها علاقة بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد, لكنها جوبهت بردود فعل هستيرية غير مبررة.
وكان قد اعتقل شاب في مدينة الناصرية بادر إلى تنظيف مناطق في مدينته وزيّن جدرانها بلوحات تمثل مشاهير عراقيين… شعروا في فعله إشارة إلى تقصيرهم تنبيه للمواطن إلى الجهات التي لا تؤدي واجباتها كما يجب… وكأن مواطنو مدينة الناصرية ومحافظة ذي قار غائبة عنهم صور فشل حكومتهم المحلية ويحتاجون من ينبههم !
وكذا الحال كان مع أحد المدرسين والكادر التدريسي المكلف بمراقبة الممتحنين في الامتحانات الوزارية العامة.. فقد فُرضت إجراءات عقابية ضدهم, باستبعادهم عن التواجد في القاعات الامتحانية, لأن أحد المدرسين استعان بكرتونه للتهوية والتخفيف عن التلاميذ من شدة الحر بسبب انقطاعات الكهرباء…
انتشار اللقطات المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي.. أثارت حفيظة السلطات الإدارية التربوية التي قرأت في مبادرة الأستاذ, إيماءة إلى إهمالها في توفير ظروف امتحانية مناسبة للتلاميذ. في ظل صمت مطبق من نقابة المعلمين وذوي الطلبة.
السلطات المعنية اعتبرت ما حدث من كليهما تحدياً لفشلها وتحريضاً على النظام العام لمجرد احساسها الخاطئ بوجود ملمح احتجاجي في فعليهما… انها عقدة سوء الظن الآدلرية * التي تمسك بتلابيبها !
أحد المطبلين لأحزاب السلطة أشار في لقاءٍ تليفزيوني : ” أن الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم يقوم بترميم وإصلاح العلاقة مع الشعب ونجح بذلك ! “, بيد أننا لا نشهد جديداً, فلا في الشؤون الفردية الصغيرة, كما في أعلاه, ولا في الشؤون العامة… فنهب المال العام ماضٍ على قدمٍ وساق, والتهديد المسلح لكل صاحب رأي مستقل او منظومة إعلامية لا تلتقي مع توجهاتهم الولائية والشرعية قائم.. وتطمين مطالب المواطنين مسألة ليست ذات نظر.
أصبحت مسألة تقدير خرق القانون خاضعة لأهواء المسؤول الأمني أو الإداري ومتروكة لاستنتاجاته وليس على أساس ثوابت القانون والقضاء والتعريفات الحقوقية, وهذا الأمر بحد ذاته يُعد خرقاً للقانون.. ولهذا كان اعتقال الشاب بدون أمر قبض قضائي وتعرضه, على الأقل, للضغط النفسي وإجباره على توقيع عدم عودته إلى تنظيف مدينته او تزيين جدرانها..
كما كان طرد الأستاذ الحاني على تلامذته, وزملائه اجراءً فضاً, ولا يمكن أن يكون له وجود في سياقات العقوبات الإدارية, وإنما تركت لتقديرات المتنفذين في الدوائر التربوية لإدانة فعله واعتباره تجاوزاً وعُوقب على أساسها.
كل ما يحدث يستند لسيكولوجية التسلط المرتبطة بعقدة نقص كامنة في إيديولوجيات متبنيها وممارسيها, أساسها التشدد والفكر الواحد والاستبداد السياسي والهيمنة والعنصرية التي اتخذت اليوم طابعاً طائفياً.
مازالت انتفاضة تشرين المجيدة واحتمالات اندلاع احتجاجات واسعة بسبب الأزمات السائدة وبالخصوص ازمة الكهرباء, يشكل هاجساً مقلقاً بل بالاحرى كابوساً رهيباً يؤرق أعداء الشعب الفاسدين مائلً أمامهم, لهذا يسعون لخنق أي نأمة أو تململ شعبي في المهد.
لكن للشاعر رياض الركابي رأي آخر :
” ضوه الشمعة شما صغر..
يخنگـ ظلام الليل ” !
عقدة آدلرية – متعلقة بالشخصية سيئة الظن, يغلب عليها الشك بالآخرين والريبة الزائدة والحذر من الناس.