تكثفت الاجتماعات الرسمية في بغداد مؤخرا لمناقشة مسودة هذا القانون في 2 و 5، تبعها في 9 من الشهر الحالي لقاء (معلن) بين رئيس مجلس الوزراء ووفد من الحزب الديمقراطي الكردستاني لمناقشة مواضيع من ضمنها هذا القانون.
قبل بدء تلك الاجتماعات بدء “بيت الخبرة العراقي- كاليفورنيا- الولايات المتحدة الامريكية ” وبطلب من الدائرة المعنية في مجلس النواب بالتحضير لعقد ندوة حوارية افتراضية/عن بعد حول مسودة القانون المؤرخة في 28 تموز 2011، تم عقد الندوة 10 آب 2023.*
كنت من ضمن المدعوين للتكلم في الندوة حول الموضوع.
استخدمتُ في مداخلتي شرائح باور بوينت، ولأهمية الموضوع وتعقيداته ومسيرته المتعثرة منذ تقديم المسودة الأولى في منتصف 2006 ولغاية تاريخ، فقد اعتمدت، في تحليلي لأسس ومضامين مختلف المسودات، منطلقات متعددة ومنهجية مركبة تعتمد على الحقائق والأدلة، تحليل وتفعيل نصوص القانون ومدى تناغم وتناسق القانون ذاته وعلاقته، تطابقا او تعارضا او تكرارا، مع القوانين الأخرى ومبادئ الدستور المتعلقة بالقطاع النفطي.
تضمنت مداخلتي عدة محاور: تم في المحور الأول تشخيص وتحليل المرجعية الدستورية للقانون وعلاقة ذلك بهيكلية قطاع النفط العراقي انطلاقا من مبدأ الملكية الجماعية التشاركية غير القابلة للتجزئة وضمن تحليل حوكمة “حق الملكية والتزام المسؤولية”
استعرض المحور الثاني وبتسلسل زمني جميع مسودات القانون منذ المسودة الأولى ولغاية تاريخه بضمنها ورقة “الأسس” التي قدمتها حكومة الأقليم ورد وزارة النفط الاتحادية عليها في 15 شباط 2923.
قدم المحور الثالث تحليلا مقارنا لمواقف كل من الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم من خلال المؤشرات التالية: 1-الاستراتيجية المعتمدة، 2-الهدف من قانون النفط، 3- الطروحات،
4-التكتيك، 5- الأسلوب و6- المعالجة.
تركز المحور الرابع على تحليل المسودة الأخير للقانون المؤرخة في 16 شباط 2023 على مستويين: التحليل الاطاري لكامل القانون والتحليل التفصيلي لنصوص ومواد القانون.
وأخيرا تضمنت المداخلة عرض نتائج الاجتماعات الرسمية في 2 و5 آب وملاحظات ختامية.
سأتناول فيما يلي اهم ما تضمنه المحور الرابع وملاحظاتي الختامية، ولكن قبل ذلك أرى من الضروري التنبيه الى الفجوة الخطيرة وغير المقبولة في التواصل بين وزارة النفط ومجلس النواب في هذا المجال.
أرسلت الدائرة المعنية في مجلس النواب مسودة قانون النفط والغاز المؤرخة في 28 آب 2011 الى بيت الخبرة العراقي والذي بدوره أرسل المسودة ونظم هذه الندوة الحوارية على أساسها. شخصيا، بذلت جهدا في اعداد مداخلتي على أساس ما ورد في تلك المسودة، ولكنني استلمت، من بغداد، بعد ظهر 9 آب المسودة التي تُجرى الحوارات الرسمية بشأنها وهي بتاريخ 15 شباط 2023. وبسبب التباين الكبير بين مضامين المسودتين، كان لزاما ان أقوم بإعادة صياغة مساهمتي في هذ الندوة خلال 24 ساعة.
قد يكون هناك مبرر “اداري” لهذه الفجوة في التواصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية المتعلقة بكيفية اقتراح مشاريع القوانين وتقديمها حسب السياقات والمتطلبات الدستورية، ولكن كيف يمكن ان لا تعلم الدائرة المعنية في مجلس النواب بما يجري بشان مسودة القانون التي تمت تغطيتها إعلاميا بشكل واسع، وتطلب مناقشة مسودة قديمة تجاوزتها الظروف والاحداث والتطورات. هذا خلل مؤسف لا عذر له ويجب معالجته وعدم السماح باستمراره!!
اعود الان الى عرض موجز لأهم ما تضمنه المحور الرابع وملاحظاتي الختامية:
الانتقائية والجزئية أضعف المرجعية الدستورية التي اعتمدها القانون بالاستناد الى المادة 112 من الدستور. كان يجب ان تكون المرجعية الدستورية متكاملة ومنطلقة من مبدأ “ملكية” كل الشعب العراقي لكل النفط والغاز (المادة 111)، ملكية تشاركية غير قابلة للتجزئة، ومبدأ “الممثل الشرعي” للشعب العراقي، وهو مجلس النواب الاتحادي (المادة 49 -اولا) ومبدأ “انبثاق وإقرار” مجلس النواب الاتحادي للسلطة التنفيذية-مجلس الوزراء (المادة 76) و “صلاحيات” مجلس الوزراء (المادة 80) وغيرها من المواد الدستورية بضمنها المادة 112.
يترتب على ذلك ان “الأقاليم” و”المحافظات المنتجة” لا تملك النفط والغاز المتواجد في باطن الأرض ضمن حدودها الإدارية. يضاف الى ذلك ان المحافظات المنتجة لا تمتلك الأصول المادية والرأسمالية لجميع منشئات انتاج النفط والغاز المتواجدة ضمن حدودها الإدارية، لان هذه الأصول ممتلكات عامة للدولة. ولا تمتلك حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة صلاحيات تحديد مستويات انتاج النفط والغاز او أسعار التصدير ولا استلام عوائد التصدير مباشرة، لان جميع هذه الصلاحيات تعود للحكومة الاتحادية. ولكن تمتلك حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة حق المشاركة في إدارة وتطوير النفط والغاز وحق الانتفاع من جميع عوائد انتاج النفط والغاز بشكل منصف سكانيا وتنمويا.
الفجوة الزمنية طويلة جدا لغاية تاريخه، سواء منذ اعتماد الدستور (2005) او تاريخ طرح المسودة الاولى للقانون 2007؛ حيث استجدت العديد من الحقائق والوقائع والتطورات والقرارات والتشريعات المؤثرة للغاية على مدى صلاحية العديد من مواد هذا القانون؛ عملا بالمبدأ القانوني والمنطقي المتعلق بتأثير تغير الظروف.
بروز وترسخ الازدواجية متمثلة بنظامين نفطيين متباينين للغاية: الأول يتعلق بالحكومة الاتحادية والثاني يخص حكومة الإقليم (نوعية العقود، الاتفاقيات السرية مع تركيا، التصدير بدون موافقة الحكومة الاتحادية، الاستيلاء على الحقول العراقية اثناء وبعد احداث 2014). ولكن يجب ملاحظة حقيقة وتبعة مغادرة الشركات النفطية الدولية لعقود الإقليم واخرها، قبل عدة أيام، شركتي شيفرون وجنيل لحقل سارتاSarta .
قرارات ولايات Jurisdictions قانونية سيادية (أمريكية/ عام 2014 تمنع تفريغ حمولة نفط الإقليم في الولايات المتحدة. وعراقية حيث اقرت المحكمة الاتحادية العليا عام 2022 بعدم دستورية قانون نفط وغاز الإقليم وعدم قانونية مجموعة من عقود المشاركة في الإنتاج لحكومة الإقليم. وقرار محكمة التحكيم الدولية لغرفة التجارة الدولية ICC في باريس 2023 لصالح العراق في الدعوى التي اقامتها الحكومة العراقية عام 2014 ضد تركيا بشأن اتفاقية أنبوب النفط العراقي-التركي).
كل هذه القرارات نهائية وملزمة التنفيذ وتحدث تغييرا مهما للغاية على كل ما يتعلق بالإقليم في قانون النفط والغاز هذا.
التجاوز على الدستور العراقي النافذ عندما اعتبر المادة 111 “هدفا” لهذا القانون في حين ان المادة الدستورية تحدد مبدا مهم وحاكم ونهائي.
صدور تشريعات مهمة تُنفي الحاجة الى ما ورد في المادة “(2) –ثانيا” من هذا القانون مثل قانون هيئة مراقبة تخصيص الموارد المالية رقم 55 لسنة 2017 وقانون الإدارة المالية الاتحادية رقم 6 لسنة 2019 (الفصل السادس- إدارة العوائد النفطية، الفصل العاشر- الشفافية) وقوانين الموازنة الاتحادية السنوية.
وجود تناقض واضح بين ما ورد في المادة (2-بنود 13، 14، 15) المتعلقة بالمصافي والمادة 37 التي تجعل من هذه النشاطات خارج نطاق هذا القانون.
عدم الوضوح في مهام شركة النفط الوطنية العراقية وقانونها رقم 4 لسنة 2018 (رغم التعثر التشريعي لهذا القانون بسبب قبول المحكمة الاتحادية العليا الطعن بمعظم مواده الأساسية، ولم يتم لغاية تاريخه تشريع التعديل المطلوب).
لا يمكن للشركة ان تقوم بإدارة وتشغيل “جميع” الحقول، كما تتطلبها المادة (9)؛ لان اهم الحقول تحكمها عقود محدد فيها الإدارة المشتركة ومن يقوم بدور المشغل.
10- نفس الامر ينطبق على وزارة النفط التي لا يمكن ان تقوم بمهمة “إدارة الحقول المنتجة ..” (المادة 8).
11- أهمية ودور وتشكيل واصول الهياكل الرسمية للحكومة العراقية والشواهد السابقة تحتم اصدار قانون خاص للمجلس الاتحادي للنفط والغاز إذا كانت هناك ضرورة لهكذا مجلس، ولا يمكن تشكيل هذا المجلس بموجب قانون النفط والغاز المقترح هذا. خاصة ما ورد في القانون من أمور تحتاج لكثير من الدقة لوجود تناقضات عديدة بين مهامه ومهام الجهات الأخرى المذكورة في القانون: وزارة النفط والشركة.. وخاصة فيما ورد في الباب الثاني/الفصل الأول- الصلاحيات.
12- ضمن صلاحيات هذا المجلس ما يشكل التفاف على صلاحيات ومهام المحكمة الاتحادية العليا (المادة 6- أولا-5) وبالتصويت بالاغلبية البسيطة (مادة 5 -ثانيا)!!!!!!!!!. وهذا مخالفة واضحة للدستور.
13- اغرب وأخطر ما ورد في هذا القانون هو التعاقد مع تسعة “مستشارين مستقلين” “عراقيين او أجانب”؛ !!!! للعمل بالمجلس الاتحادي بعقود (المادة-7) والمادة 37
14- يضاف الى ذلك وجود عدم وضوح واحتمالية تعارض او ازدواجية المهمات بين “مكتب المستشارين المستقلين” في هذا القانون وكل من اللجنة الوزارية للطاقة التابعة لمجلس الوزراء، وهيئة المستشارين في مكتب رئيس الوزراء.
15- ارى ان يكون من ضمن اهداف القانون التزام التوسيع المتواصل للجهد الوطني والشفافية الكاملة ومحاربة الفساد في جميع النشاطات التي يشملها القانون.
16- أرى ان يكون موضوع “دعم النشاطات الاستثمارية في مجال الطاقة النظيفة والطاقة البديلة” (المادة 2- 16 ) خارج سريان هذا القانون؛ حيث توجد او لابد ان جهات وتشريعات أخرى معنية بدعم هذه النشاطات المهمة.
التقييم التفصيلي لما ورد في مواد القانون
ترتب على تحليل وتفعيل بنود مسودة القانون تشخيص عدد كبير من الملاحظات الأخرى تؤشر الى وجود خلل ونواقص وتناقض وتعارض وعدم وضوح وغيرها مما يجعل من هذه المسودة غير ممكنة التطبيق على ما هي عليه، مما يتطلب مزيدا من الجهود لإعادة صياغة العديد من نصوص القانون.
لا يسمح المجال الان الخوض بها وسأقوم بذلك لاحقا.
استمرارية الغموض رغم آخر تطورات الموقف الرسمي كما في 2 و 5 آب 2023
أولا: عقد اجتماع برئاسة رئيس مجلس الوزراء يوم الأربعاء 2 آب ً خُصّص، حسب بيان المكتب الإعلامي للمجلس، لمناقشة مسوّدة قانون النفط والغاز الاتحادي، بحضور عدد من قادة الكتل السياسية، ووزراء الخارجية والنفط والصناعة، ومستشار وزير الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان العراق، فضلاً عن عدد من المستشارين والخبراء الفنيين والقانونيين.
وشهد الاجتماع استعراض آخر مسوّدات مشروع القانون، وتفاصيله وبنوده، وما عملت عليه اللجان الفنية والقانونية، والعمل على إنضاج المسوّدة النهائية للقانون.
لم يذكر البيان اية تفاصيل او بنود اية مسودة او المواقف بشانها. وقد وجّه السوداني بتشكيل لجنة وزارية تشرف على الحوارات الفنية بين وزارة النفط الاتحادية، ووزارة الثروات الطبيعية في الإقليم، فضلاً عن دعوة محافظي المحافظات المنتجة للنفط، كلٌّ من البصرة وميسان وكركوك وذي قار، والمديرين العامين للشركات النفطية الحكومية للحوارات الفنية الجارية بخصوص القانون، على أن يعقب هذه الحوارات استكمال الحوار السياسي للاتفاق على تقديم مشروع القانون.
ثانيا: حسب بيان وزارة النفط، عقد في يوم 5 أب اجتماع في وزارة النفط بحضور نائبي رئيس مجلس الوزراء (وزير الخارجية!! – وزير النفط) ووفد الإقليم ومحافظي المحافظــات المنتجة للنفط ومستشاري رئيس الوزراء والكادر القيادي في وزارة النفط. تناول الاجتماع التطرق الى أهمية واهداف هذا القانون وضرورة إنجازه بأسرع وقت وبمشاركة الإقليم والمحافظات المنتجة للنفط وممثلي مكتب رئيس مجلس الوزراء. لم يذكر بيان الوزارة اية تفاصيل عدا توصيتي الاجتماع التالية:
1- تشكيل لجان لمتابعة هذا الموضوع والتنظيم للاجتماعات اللاحقة.
2- يتم تقديم ورقة عمل من خلال اللجان على أساس الرؤيا المقدمة من قبل الوزارة وحكومة اقليم كردستان والمحافظات المنتجة في ضوء المناقشات التي جرت خلال الاجتماع والمناقشات السابقة لدراستها من خلال هذه اللجان وصولاً لإعداد المسودة النهائية لقانون النفط والغاز.
تساؤلات عديدة عن هذين الاجتماعين وخاصة التوصيتين الأخيرتين!!
ملاحظات ختامية
تفتقر هذه المسودة كما هو الحال في جميع المسودات المعروفة السابقة وورقة “الاسس” الى المرجعية الدستورية الصحيحة الكاملة؛ لان المرجعية الدستورية المحددة بالمادة 112 جزئية وانتقائية وغير كافية، في حين تتناول جميع المسودات أمورا أخرى لم تذكر في تلك المادة او تم معالجتها بقوانين أخرى.
ارى ضرورة الإسراع بإصدار التعديل الاول لقانون شركة النفط الوطنية العراقية في ضوء قرارات المحكمة الاتحادية العليا كي تلعب دورها في تنفيذ هذا القانون؛ شرط ضروري مسبق.
كذلك أرى ضرورة اصدار قانون خاص بالمجلس الاتحادي للنفط والغاز تحدد مهامه وصلاحياته وتشكيلاته وشموليته لكل ما يتعلق بقطاع النفط والغاز الإتحادي؛ شرط ضروري مسبق اذا كانت هناك ضرورة لهذا المجلس. وفي هذا المجال اشير الى مقترح “قانون رسم السياسات النفطية” الذي نوقش في لجنة الطاقة في مجلس النواب /كانون ثاني 2017 وطلب مني تقييمه وفعلت ذلك. ويتضمن مقترح القانون تشكيل نفس المجلس الاتحادي للنفط والغاز هذا.
إذا لم يؤخذ بملاحظات هذه المداخلة، سيواجه القطاع وباحتمالية عالية للغاية حالة تعارض وتضارب بين ما ورد في هذا القانون من جهة والقوانين التي تمت الإشارة اليها والعقود الموقعة بموجب جولات التراخيص؛ وهذا سيكون سببا لفوضى او ضبابية قانونية وارتفاع حالة اللايقين وخاصة فيما يتعلق بمشاريع تطوير الحقول النفطية المتعاقد عليها، مما يسبب في عرقلة اكتمالها. ومما يعزز هذه الاحتمالية هو ما ورد في المادة 52 من هذا القانون وصيغتها المطلقة ” لا يعمل باي نص يتعارض مع هذا القانون”؛ علما ان كلمة “نص” واسعة ومطلقة.
عدا الإفصاح عن هذه المسودة للقانون، لم يتضح من اخر المداولات الرسمية (في 2 و 5 آب) اية مكونات أساسية للقانون، ولم تعرض اية صيغة نهائية للنقاش، بل اقتصر الامر على تشكيل عدد غير محدد من اللجان دون ذكر مهامها ولا من يشترك فيها ولا الاطار الزمني لانجاز مهامها ولا مسودة اية ورقة عمل ولا المحاور الأساسية للحوارات ولا كيفية ومن يقوم بمهمة اعداد مسودة القانون ومتى!!!!!!….
* أتقدم بالشكر الجزيل لكل من د. جمان كبه و د. شاكر المخزومي و د. حازم الكرعاوي لإعداد وعقد وإدارة الندوة.
يسعدني ارسال شرائح الباور بوينت لمن يرغب بالاطلاع عليها شريطة تأكيد الالتزام القانوني بحقوق الملكية الفكرية. يمكن الاطلاع على مجريات الندوة الحوارية من خلال الرابط الذي سيعلنه بيت الخبرة العراقي.