خرج أب بسيارة ولده في سفرة من كركوك إلى العامة العاصمة بغداد. الأب يجلس في المقعد الأمامي وولده يقود السيارة. الأبن يتعمد في اسماع والده تلك الأغاني التي يحبها ويستمع إليها دائماً حتى يصل به إلى بغداد دون تعب.
الطريق سلس والأمور تسير على ما يرام والأب منشرح الأسارير ولا شيء يفسد المزاج. تقدمت الساعات حتى وصل بهم الطريق إلى منتصفه في منطقة جبل حمرين. عند النزول من الجبل بإتجاه بغداد انفجرت إحدى إطارات السيارة. السرعة في هذا المكان لا يكون في العادة كبيراً بسبب الطرق الرديئة والانحدار، الأمر الذي سهل على الولد إيقاف السيارة دون أن يحدث ما لا يحمد.
الولد كان متوتراً للغاية ولا يعرف كيف سينقذ الموقف في هذا المكان الخطر أمنياً. الأب الذي لاحظ على ولده القلق المفرط عمل على تهدئته. فإن الطريق عبارة عن مفاجأة وعلى من يستقل الطريق أن يكون مستعداً لها. من الممكن أن تتعرض السيارة إلى أي عطل ومن الممكن كذلك أن يتعرض الإنسان إلى حادث والحمد لله أنهم تمكنوا من إيقاف السيارة دون ضرر.
الأن يتوجب على الابن فك الإطار المتفجر وإخراج الاحتياط وتبديله. فعل الابن ذلك، لكن الأمر لم يكن مفيداً بسبب كون الإطار الاحتياط غير مملوء بالهواء. الأب عندما علم بأن الإطار الاحتياط لا يمكن الإستفادة منه جن جنونه. بدأ بالصياح على ولده الذي اتهمه بالإهمال وعدم تحمل المسؤولية.
الأب المصدوم من الواقعة أمسك بالإطار الاحتياط ورمى به إلى الوادي القريب من الطريق.
الابن يصيح:
– لماذا رميت إطار سيارتي يا أبي؟!
رد عليه الأب:
– الإطار الذي لا ينفعنا في هذه الشدّة لا داعي لرفعة في السيارة وتحمل أوزان زائدة. فإذا جاء أحدهم الأن لمساعدتنا وعلم أنك قد أهملت ملئ الإطار بالهواء واستهنت به، سيتهمك بالإهمال ولن يشفق عليك. أمّا إذا علم أن الإطار قد سرق من السيارة دون أن نعلم أو تدحرج إلى الوادي فقد يكون العذر مقبولاً أكثر وسيعطف علينا ويقدم ما باستطاعته. فعذرك بعدم ملئ الاطار بالهواء أقبح من ذنبك.
العبرة من المسألة أن الاستعداد لتحمل أعباء الطريق من أهم الواجبات. أمّا التحجج والاتيان بأسباب فاهية وتبرير التقصير فهو غير مقبول به ولا يمكن لهذه الأعذار أن تنقذ الموقف. فإذا كنت تحمل الإطار الاحتياط وتزيد وزن السيارة دون أن تجدي نفعاً في هكذا شدة، فغيابها أفضل بكثير من وجودها. عندها من المكن أن تقول أنك لا تملك اطار احتياط في السيارة لسبب ما، لكن ليس من الممكن أن تقول أنك تملك ذلك ولكنه غير مملوءة بالهواء.
فإما أن يكون لك إطار جاهز للخدمة في كل حين وإما أن لا تملك، فلا حالة وسطية في الأمر. فعدم الجهوزية يعني تعذر الاستخدام وحالها كحال عدم التملك.
المؤسسات الخدمية المتلكئة في تقديم أفضل الخدمات إلى المواطنين أو العاجزة عن أداء وظيفتها، فغيابها أفضل بكثير.
محطات توليد كهرباء في العراق ودوائر الكهرباء التي تعطي رواتب للألاف من موظفيها، تثقل كاهل الدولة وهي عبئ على ميزانية البلد في حين أنها تعجز عن تجهيز الكهرباء للموطن الذي يتقلب في مكانه من شدة الحر غارقاً بعرق جسده في ساعة ظهيرة تموزية ملتهبة. فإذا لم تكن خدماتها موجودة في عز الحاجة فما الداعي لها إذن؟ عدم وجودها يكون أفضل من ناحية توفير الأموال للبلد وعدم هدره للمال العام دون مقابل ويكون الاعتماد على المولدات الأهلية المعتدة أصلاً. الأمر نفسه ينطبق على الدوائر الخدمية الأخرى مثل الصحة والبلدية والمجاري وما إلى ذلك.
كحال الإطار الاحتياط الذي رماه الأب في وادي سحيق عندما اكتشف أن لا جدوى منه.