نسمع كثيرا ونقرأ أكثر عن سيرة حياة شخصيات كان لها حضور مميز في مجتمعاتها، عاشت حقبة زمنية مخلفة تركات أثرت التاريخ وأثرت فيه، وطبعت في صفحاته بصمات لم تمحها عوامل التعرية وعواصف التغيير، ولم ينسها أفراد المجتمع بشرائحه كافة، بل جاوزت نطاق مجتمعاتها وحلقت الى أمم أثبتت حضورها فيها بكل اقتدار. كما صدح ذكرها هناك حيث الغريب والبعيد والمستطرق وعابر السبيل، فعلا بهذا شأن منبعها ومنبتها وعلا معها صيت مجتمعها وأهلها. ولكن ومن المؤسف أن يرافق هؤلاء شرذمة تعمل بالضد من المجتمع والمواطن على حد سواء، ومهما كان تعدادهم قليلا فإن لهم تأثيرا سلبيا لايمكن غض الطرف عنه.
في بلدنا العراق، لو أردنا إحصاء الشخصيات الإيجابية لتطلب الأمر منا مجلدات ضخام، ولجفت قبل إتمام العد أٌقلامنا، فأرض نشأت فوقها حضارة تمتد جذورها الى سبعة آلاف عام، لاشك أن تكون ولادة عطاءة لاسيما وقد كانت مهبط الأنبياء والرسل، وشهدت حياة بضعة أولياء من أبناء بضعة رسول الله (ص) وضمت فيما بعد جثامينهم في أرجائها، لم تندرس ولم يُمحَ ذكرهم رغم المكائد والمصائد والأشراك التي حيكت -ومازالت- على مدى قرون، بل على العكس، فقد غدا ذكرهم يسمو ويعلو دون أي تأثير للمتكالبين والمتطاولين والمتوعدين لهم بالشر زمانا ومكانا، إذ بات تأثيرهم كما قال شاعر:
دع الوعيد فما وعيدك ضائري
أطنين أجنحة الذباب يطير
ولمقلّب التاريخ يكشف في كل زاوية من زوايا وادي الرافدين أسماءً، طرزت سماءه منيرة باهرة زاهرة، مافتئت تذكر في كل مقام ومقال، ولم تبرح سيرتها كل بال ولسان مدى العصور. وبالمقابل، هناك أسماء اقترن ذكرها بالسوء والشر، وشكلت في حياة العراقيين نقطة سوداء في ذاكرتهم، وإنه لمن المؤسف أن هؤلاء في ازدياد وتناسل مستمر.
في مجلس ممثلي الشعب، عادة ما يبدأ أعضاؤه ورئيسهم عطلتهم التشريعية كل عام، وهي تمتد شهرا كاملا، ولو حسبناها (حساب عرب) يكونون ملزمين باستئناف دوامهم الرسمي بعد انقضائها، ومن المفترض أنهم سيأتون الى مواطنيهم بهمة ونشاط عاليين، وحافز ودافع قويين، ونستبشر بهم خيرا متمنين أن يحملوا لنا حلولا للمشاكل المستعصية الماضية، فضلا عن قطع دابر المصائب والمآسي التي أرهقتنا، ولاسيما ان تلك المشاكل لم تأتنا مع مطر تشرين، ولا مطر كانون، ولا مطر صيف، بل هي صنيعة أحزاب وكتل وشخصيات وجهات انتهازية.
وقد يحسبني قارئ سطوري هذه قنوطا ومتشائما إن كررت مثلنا القائل: (لاترجه من البارح مطر) او مثلنا الآخر: (بعيد اللبن عن وجه مرزوك). فبصراحة القول أن التجارب السابقة أعطت فكرة متكاملة إلى حد بعيد، حول ماسكي سدة الحكم في البلاد، وهم باتوا: (سيف المجرب) وما يؤسف أنه مجرب فيما لايفرح مواطنا عراقيا وضع جميع بيضه في سلتهم، ولو علمنا أن المواطن العراقي هو أبعد مايكون عن اهتمامات قادته وساسته، فهم يعمدون العمل بما لاينفعه، واضعين شعار: (أنا ومن بعدي الطوفان) صوب أعينهم واهتماماتهم، أما الذي انتخبهم بأصابعه البنفسجية فـ (إله الله). أما خيرات البلاد فمن حقهم العيث فيها، والعبث بها مشرع لديهم، أما الفضل قمة الفضل أن يتركوا للمواطن فتاتا يقتات عليها بأوطأ نسب الكفاف، ولعل صاحب الأبوذية صور هذا بإنشاده:
بس آني بلاني الهوه يو كل
اذب روحي عليهم تبل يو كل
أرَ غيري بكل العثك ياكل
وانا الحشفات مايصحن بديه
[email protected]