18 ديسمبر، 2024 7:42 م

الشعر بين السلبية والهروبية!!

الشعر بين السلبية والهروبية!!

الإستماع لشعراء النصف الثاني من القرن العشرين , والربع الأول من القرن الحادي والعشرين , يكشف أن الإنغماس بالسلبية والهروبية ظاهرتان سائدتان , ومن النادر أن تجد شعرا يتحرر منهما.
السلبية تتمثل بالندب وجلد الذات , والعجيب في الأمر أن الجمهور يتفاعل مع قصائد يمكن تسميتها باللطميات , لأنها عبارة عن بكائيات ورثائيات بأسلوب آخر , وجوهرها لا يختلف عمّا توارد في الشعر العربي من قصائد الرثاء.
الشعراء يتكلمون عن وجع الأمة وسلبياتها , ولا تجد فيما ينشدونه غير العويل , وتتساءل عن شاعر تحدي وطبيب وجيع , ولماذا لا يقدمون رؤى ذات قيمة شفائية , بدلا من الكلام المعزز لكوارث الأمة.
وفي هذا التوجه يشتركون مع معظم المفكرين , الذين نظّروا وما تمكنوا من تقديم حل عملي ناجع لأبسط مشكلة , بل بتناولهم لها يعقدونها ويزيدونها إزمانا وتعضلا , وعلى نهجهم يسير الشعراء.
فهل وجدتم مثل هذا الشعر في ألمانيا واليابان وإيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية؟
أما الهروبية فتتجسد بالعدوان على الوضوح , والوسواس المَرضي بالرمزية والغموض والإبهام , وخصوصا فيما يسمى بشعر الحداثة , وبالكتابة عن الحب والغرام , الذي إستهلكه الشعراء العرب على مر العصور , فصارت قصائدهم على إيقاع “أحبها وتحبني ويحب بعيرها بعيري”.
الشعراء لهم دور حضاري ومعرفي وإجتماعي , وعليهم أن يكتبوا قصائد تنويرية ذات قيمة مستقبلية , وباعثة للأمل والقدرة على صناعة الحياة الأفضل.
وعندما يكتبون بمداد السلبية يساهمون بتثمير أوجاع الأمة , وتعطيل عقول أبنائها وتضليلها , وعليهم أن يتحملوا المسؤولية , لا أن تكون قصائدهم أنينية دمعاوية , تدعو للعويل والنحيب الشديد على تهيؤات وتصورات على الشاعر أن يقتلعها ويأتي بما يناقضها , لتستقيم المسيرة ويتحقق الهدف الأسمى للإنسان.
فما كتبه شعراء الأمة في عصورها البعيدة أكثر قوة وقدرة على إستنهاض الهمم , وتقديم الرؤى والتصورات الصالحة للبناء الحضاري الأصيل.
أما الشعراء المعاصرون فشغلهم الشاغل الندب والبكائيات التي يسمونها شعرا , وهذه ظاهرة غير موجودة في مجتمعات الدنيا , ولو قرأ شاعر فيها قصيدة نواحية لهبّ المستمعون بوجهه ووبخوه , وفي مجتمعاتنا يصفقون له ويهللون , ويحسبون ما قدمه ذروة الإبداع وقمة الشعر!!
سيغضب الكثيرون من المقال لأنهم يجيدون البكاء والعويل , وعلى المجتمع أن يستلطف الأحزان والمرارات , وعلى الشعراء تعزيز المشاعر السلبية عند الناس , ليحقق الطامعون ما يحلمون به دون عناء. ودامت الكتابة بدموعنا الغنّاء!!
د-صادق السامرائي