العراق انزلق فعلاً إلى أتون الحرب الأهلية الطائفية ، ويسير بخطي متسرعة على طريق الفتنة ، فهناك عمليات تطهير طائفي تجري في وضح النهار، وتشهد المناطق الشيعية تفريغاً لأبناء الطائفة السنية ، والعكس صحيح , والأخطر من هذا وذاك عمليات النزوح الكبرى للعوائل من ابناء مدن بغداد والانبار وديالى وصلاح الدين والموصل وكركوك , في الماضي القريب كان بعض المرتبطين بمشروع الاحتلال الأمريكي يتحدثون عن وجود أربعة ملايين عراقي في المهجر فروا من ظلم حكم البعث العدد تضاعف الآن ، فقد بقي معظم هؤلاء في منافيهم رغم اقتراب الذكري العاشرة لاحتلال العراق ، وأضيف إليهم المهاجرون الجدد ، الفارون من نعيم الديمقراطية الأمريكية وهؤلاء يقدرون بالملايين , ساسة العراق الجدد المبجلون يتهمون الإرهابيين والتكفيريين وإتباع صدام حسين بنشر روح الانفصال ، ولا يوجه كلمة نقد واحدة إلى الاحتلال الأمريكي والى الاحتلال الإيراني ، والقوي التي ساندته وسهلت مشروعه الاستعماري في العراق , فالإرهابيون لم يضعوا الدستور العراقي الجديد الذي ينص على التقسيم الفيدرالي أي التقسيم السياسي الديني وحسب العائديه الحزبية الدينية الطائفية , كما أنهم جاءوا إلى العراق بعد الاحتلال وليس قبله ، وكان من المفترض من ساسة العراق ، يعترفوا بالأخطاء القاتلة التي ارتكبها وشركائهم الذين جاءوا من الخارج محررين ، وأوصلوا العراق إلى هذا الدرك الأسفل من الفوضى ، والإرهاب الدموي ، وانعدام الأمن وغياب الاستقرار ، والحرب الطائفية , فالتشخيص الصحيح للمرض وأسبابه ، ومكامن علله ، هو الذي يقود إلى العلاج الناجع والناجح ، ومن المؤسف أن ساسة العراق الجديد يوجهون أصابع الاتهام إلى الجميع باستثناء أنفسهم ، ويرفضون تحمل أي لوم أو مسؤولية , ولهذا تستفحل أمراض العراق بصورة باتت تستعصي على أي علاج , الفيروس الذي أنهك الجسم العراقي ، وبات يهدد بتحلله ، بعد تعفنه ، هو الحكام الجدد ، الذين حولوه إلى حقل تجارب للاستعمار الأمريكي الجديد وضحوا بالعديد من أبنائهم دون إن ترف لهم عين ، أو يذرفون دمعة واحدة , الآن يتحدثون عن ضرورة حل أزمة حكومة بغداد مع الشعب العراقي المتظاهر المعتصم المطالب بحقوقه ، وتأسيس جبهة عريضة تضم القوي الوطنية لتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد ، وإخراجها من المأزق الخطير الذي تعيشه , مخرج جميل ، ولكن لم يقل لنا الذين يقترحونه كيف تحل تأزم الحكومة ، ومن ستضم الجبهة الوطنية العريضة التي ستكون نواتها ، ومن يترأس هذه الحكومة , السفير الأمريكي قال مؤخرا ، أن المخططات الجديدة تسعى لتجنيد المعارضة واستخدامها كغطاء للتمهيد لغزو العراق واحتلاله وتغيير نظامه من جديد ، مؤكدا أن الطبقة السياسية الحاكمة في العراق حالياً تقدم مصالحها الذاتية على مصالح الوطن. فإذا كان السفير الأمريكي الذي يعرف هؤلاء جيداً قد ضاق ذرعاً بهم ، وبات يتهمهم بالفساد والمحسوبية ، والطائفية والتعذيب والقتل الجماعي ، فكيف سيثق بهم أبناء الشعب العراقي الذين لم يروا في عهدهم غير انعدام الأمن ، والبطالة وانقطاع الكهرباء والماء ، والقتل على الهوية ، والسطو المسلح واستفحال الجرائم ، وانتشار المخدرات والموبقات بكافة الإشكال والألوان , الحكومات الوطنية تتشكل عادة بعد انتهاء الاحتلال ، واستعادة السيادة ، وإحلال الأمن واستجابة لرغبات المواطنين ، وتتويجاً لمقاومتهم ، فهل مثل هذه المواصفات الأساسية والضرورية تنطبق على أي حكومة جديدة تتشكل في العراق في ظل الاحتلال , وهل يصلح هؤلاء الذين تآمروا على وحدة العراق وهويته العربية والإسلامية ، ووحدته الوطنية ، لكي يكونوا أعضاء في هذه الحكومة , الوحدة الوطنية المطلوبة في العراق هي تلك التي تقوم على مواجهة الاحتلال والمجموعة السياسية التي تشكل رأس حربة لكل مشاريعه في تفتيت العراق ، وتمزيق هويته الوطنية ، وإغراقه في حرب طائفية مدمرة , المشروع السياسي الأمريكي في العراق واجه المصير نفسه الذي واجهه مشروع الاحتلال العسكري ، أي الفشل الذريع ، وهذا الفشل ناجم عن سوء تقدير وطنية الشعب العراقي ، ورفضه للاحتلال ، واستعداده لمقاومته , المعادلة الآن تتغير على ارض العراق بسرعة مخيفة ، منذ ظهور بوادر المواجهة الأمريكية ـ الإيرانية بسبب البرنامج النووي الإيراني . فعندما تتغير المعادلات تتغير التحالفات أيضا , أنها لعبة أمريكية كبرى أدواتها لاعبون عراقيون صغار .