الذي يدقق النظر في الحياة السياسية يجدها ممتلئة بحكم وامثال يتم تداولها كقواعد ثابتة لا تقبل النقاش! بل عند البعض تمثل الحق المطلق! مع انها مجرد امثال وحكاوي لا ترقى لمستوى المسلمات, وهكذا يتم تغذية الساحة السياسية بمنظومة قيم حقيقتها لا ترقى لليقين, وتقترب جدا من الخرافات وحكاوي الاطفال, هذه القيم السطحية هي التي ترسم الشكل الرئيسي للواقع السياسي الحالي, ومن اخطر القيم السياسية المنتشرة هي لغة التعميم, والتي تهدف لسحق الجميع امام رؤية واحدة! يعتبرها صاحبها الحق المطلق وكل اللذين هم على غير طريقته يمثلون حسب رؤيته الخطيئة والخيانة والكفر!
هذا التعميم مباشرة يولد منه الطغيان الفكري والسياسي, حيث يرفض صاحبه اي صوت اخر, فهو فقط من يملك الحق, ونؤكد هنا امر هام: اذا كانت بعض الساسة يعانون من بلادة التفكير, فالمؤكد ان الخرافة والتقديس تنتشر لترفع من مكانتهم.
· خطيئة التعميم واطلاق التهم
وقد اصبح منهج الطغاة هو التعميم للقفز على الحقائق ورد الاخر واسقاطه, وهو مدخل مهم لتبرير تصدرهم وسطوتهم على الرياسة باصنافها, مع ان استمرار صدارتهم غير مجانب للعدل والحق, ونجد رواج للتعميم في واقعنا السياسي للخلاص من مازق انعدام الوعي والمعرفة, فيطلق على الاخر صاحب النطق السليم مثلا: ( خائن, عميل, او جاء على ظهر دبابة الاحتلال, او فاسدين او ذيول) وهكذا يصبح الحوار عقيما بعد ان اغلق صاحب التعميم كل الابواب, ودفع بالراي الاخر نحو مقصلة الجمهور الجاهل.
ويمكن ملاحظة ان هنالك معوقات امام ايصال المعلومات الصحيحة, التي تفضح الطغاة وتكشف اكذوبتهم بامتلاك الحق المطلق, لذلك يشن الطغاة حرب ضد المعلومات, ويحاول الساسة التشويش والتاثير على الجمهور المنوم مغناطيسيا, كي لا يصحو من نومته.
وهذا يعني ان الجمهور التابع للساسة الطغاة هو بتعبير ادق مجرد عبيد, فاقدين للحرية والمعرفة, بل يرفضون الحق, ويتبعون الوهم, وهذا الامر خطط له اهل التعميم من الساسة الخبثاء بعناية شديدة, وتجدهم يدعمون اي خرافة, وهم يخترعون الخرافات التي تتناغم مع جمهورهم الغارق في اللاوعي.
· التعليم والمعرفة هي الحل
الاشكاليات السياسية والتي بقائها يعني غرق المجتمع بالجهل والخرافة والعبودية, هذه الحال مؤلمة وهي موجودة حاليا في المجتمع (مع الاسف), وان مغادرة هذا المستنقع لا يكون الا عبر الاهتمام بالتعليم وتطوير مناهجه, ونشر المعرفة, وايصال المعلومة الصحيحة, وعدم حجب اي معلومات حقيقية عن الجمهور.
عندما نعود لقراءة منهجية حزب البعث المنحل, نجده كان يركز على الحالة القومية, بل يغلبها على العامل الوطني, وبهذا التعميم يهرب من الاستحقاقات الوطنية الطبيعية, ومن ثم فشل ايضا بالمشروع القومي واصبحت الجماهير تنفر من هذا المشروع الفاشل, الذي كان يقدم على المشروع والاستحقاق الوطني, ليدخل اخير في مشروع الاسلام والحملة الايمانية هربا من انتكاساته وهزائمه, كذلك اليوم نجد اغلب الاحزاب تتشبث بالاسلام السياسي, وتجعله مشروعها المقدس! لكن كل ما طرح كان تشويها للاسلام, والحق ضررا بليغا بالاسلام, وهذا ما جعل التعليم والمعرفة تنكتس وتتراجع, فالتشويه ارتبط بكل نواحي الحياة, فحتى التطور الذي حصل كان تطورا مشوها لانه مرتبط بعالم كبير للتشويه.
لذلك الثورة التعليمية الصحيحة, ونشر المعرفة, وايصال المعلومة, هو الحل لاصلاح ما تم تشويهه.
· الساسة وفقدان فن الاصغاء
المتابع الجيد للوضع السياسي ينتبه الى ان الساسة يسعون للظهور التلفازي بين فترة واخرى لابراز عضلاتهم, واطلاق رسائلهم لجمهورهم التابع الخاضع لهم, وتوضيح افكارهم والدفاع عن مواقفهم, او يصبح الظهور التلفازي فرصة لتسقيط الاخر, ومهاجمة منافسيهم, لكن الملاحظ ان اغلبهم لا يحقق شيء من ظهوره المتكرر! بل يسيئون لانفسهم ويخدشون صورتهم في اعين محبيهم! ويتكشف لاهل الوعي مدى ضحالة تفكيرهم وبلادة عقولهم, وتسقط اقنعة الجبروت ليظهروا كم هم ضعفاء وشخصيات هشة, برغم من محاولاتهم اخفاء سلبياتهم.
ونؤكد هنا على اهمية فن الاصغاء, وان الصمت اهم مراتب الحكماء,
فالسياسي الذي يكون كثير الكلام, فهو امر مذموم, وقد قيل في اللغة بحق من يتكلم كثيرا: “البقباق”، هو كثير الكلام، سواء أخطأ أو أصاب، والبقبقة صوت في الماء، وبقبق علينا الكلام، فرَّقه. أمّا “الطنطنة” وهي كثرة الكلام، ورجل ذو طنطان، ذو صخب، وكذلك الرجلُ “الوقواقة”، أي الرجل كثير الكلام، والوقوقة نباح الكلاب.