استكمالا للمقال الذي كنا نشرناه في “كتابات” مؤخرا والمعنون “الشابندر نعم .. الجلبي لا .. وهذه هي الاسباب” فان هناك قضايا لم يعرفها الكثيرون تتعلق بجوانب من تاريخ المعارضة العراقية قبل سقوط نظام صدام حسين عام 2003. فالواضح من الامور لدى الناس خلال فترة الاعداد للمعارضة ومن ثم التمهيد لعملية التدخل العسكري الاميركي لشقوط النظام السابق ان الجلبي ومن خلال ترؤسه للمؤتمر الوطني العراقي وكأنه هو من كان وراء كل ذلك. بينما الحقيقة ليست كذلك حيث كانت هناك مقدمات قادت الى فكرة المعارضة اولا ومن ثم بلورتها فيما بعد. ولمن لا يعرف ذلك من الاجيال الجديدة من العراقيين حيث لم يكتب تاريخ المعارضة العراقية الوطنية بشكل صحيح وسليم حتى الان فان من مهد الى ذلك وبخطوات ثابتة ومدروسة هو الاستاذ عزة الشابندر وبالذات منذ المؤتمر الاول للمعارضة العراقية الذي عقد في فينا عام 1992 وما تلاه من مؤتمرات وتحركات ادت في النهاية الى وضع عمل المعارضة على الطريق السليم تمهيدا لاسقاط النظام. وفي سياق ما يمكن الحديث عنه في اطار ترشيح كل من عزة الشابندر واحمد الجلبي لمنصب رئيس الوزراء المقبل في العراق خلفا لنوري المالكي فاننا ومثلما اوضحنا في مقالنا السابق عدة اسباب ترجح استبعاد الجلبي والتركيز على الشابندر بوصفه احد افضل الشخصيات الوطنية التي يمكن ان يعول عليها في اخراج العراق من مازقه الراهن هو ان الدكتور الجلبي هو منظر الاحتلال الاميركي وهو من ادى الى تدمير مؤسسات الدولة العراقية. فالعراقيون كانوا ضد صدام حسين ولم يكونوا ضد الدولة العراقية التي انشئت عام 1921 بجيشها ومؤسساتها. والجلبي هو من ركب العديد من الموجات بمن فيها الطائفية (البيت الشيعي على سبيل المثال) .. في الواقع لا اريد ان اطيل بهذا الشان ولكن من الاهمية بمكان توضيح بعض الحقائق حتى لا يجري تشويه كل شئ لكون ان هناك خلطا في الاوراق. ومن اجل ان نكتب تاريخا حقيقيا للمعارضة العراقية وادوار رجال فيها مثل عزة الشابندر فلابد من القول انه كان احد ابرز الذين هيأوا للمعارضة العراقية حيث كامن من بين 18 شخصا أعدوا لمؤتمر فينا الذي رسم خارطة الطريق المستقبلية وهي الحلقة الرئيسية للمعارضة انذاك . وللتاريخ فان الجلبي حاول ان يكون جزء من هذه اللجنة لكن دوره لم يكن يسمح له بذلك فاصبح من بين 47 شخصا لاسيما انه حاول الالتحاق بالمعارضة بعد هزيمته في بنك البتراء والتي جاءت على خلفية فتحه اعتمادات مالية لشراء اسلحة لايران ايام حربها مع العراق وهو ماكشفه الاميركان. ومن بين المسائل الهامة التي لابد من التطرق اليها ان الشابندر كان قد بدأ فكرة المعارضة مع الفرنسيين وبعد الانتفاضة عام 1991 وبعد خروج السيد عبد المجيد الخوئي من العراق عبر رفحا واحتجازه من قبل السعوديين لعدم امتلاكه وثيقة سفر فان الشابندر هو من اقنع الفرنسيين يمنحه وثيقة السفر الى باريس. وبعدها انتقل حوار المعارضة من باريس الى لندن وبخطوات مدروسة كان للشابندر دور فاعل فيها حيث بدا الحديث عن مؤتمر للمعارضة العراقية بتمويل اميركي. وحين وصلت الامور الى مرحلة تمويل المؤتمر حيث قرر الاميركان دفع ثلاثة ملايين دولار وهو ما تم التباحث بشانه مع حلقة ضيقة كان في المقدمة منهم الشابندر ومحمد توفيق علاوي وجعفر الجلبي فقد وقع الاختيار على احمد الجلبي للتعامل ماديا مع المؤتمر بوصفه رجل اعمال وقد لايسال عن الكيفية التي ربما جلب فيها الاموال .. هل من الاميركان؟ ام من جيبه الخاص؟ ام جمعها من تجار ورجال اعمال؟ بعدها سارت الاوضاع في سياق معين حتى عام 1994 حيث ترك الشابندر تعامله مع الاميركان بعد ان لم يقبلوا بفرض مناطق امنة للشيعة في الجنوب على غرار ما فعلوه للاكراد في الشمال. حيث انهم وافقوا على مناطق حظر طيران فقط. وفي الوقت الذي كان فيه الشابندر اقدم من الجلبي في التعامل مع الاميركان فانه تركهم بعد ان بداوا “يسوفون” على صعيد التعامل مع نظام صدام بينما الجلبي استمر معهم حتى دخلوا العراق. ولم يتوقف دوره عند هذا الحد بل اقنعهم بتهديم مؤسسات الدولة. وهو من رسخ مبدا تقسيم العراق طائفيا حين اسس البيت الشيعي. وحين فقد الاميركان الثقة به لجأ الى ايران بينما بقي الشابندر وطنيا على طول الخط لم يلجأ الى اية جهة . وخلال السنوات الماضية فقد عمل الشابندر بلا هوادة من اجل راب الصدع الوطني واختلف مع اياد علاوي على المشروع الوطني كما اختلف مع نوري المالكي على المصالحة الوطنية. وعندما خرج من العراق كان له تاريخ معروف حيث اعتقل 4 مرات وقدم الى محكمة الثورة مرتين عام 1977 واخرى عام 1980 وله اخ محكوم بالاعدام فضلا عن زوج اخته. واذا اردنا الاستمرار في وضع الامور في نصابها الصحيح ولكي لايزعل الاستاذ عمار المرسومي الذي قد يكون وضع الشابندر والجلبي في كفة ميزان واحدة في مقاله بكتابات والموسوم “منصب رئاسة الوزراء بين الشابندر والجلبي” نقول اننا لو افترضنا جدلا نريد ترجيح كفة أي من الرجلين لهذا المنصب فانه لابد من القول ان ابرز تحدي يواجهه العراق اليوم هو التحدي الطائفي .. فمن هو المؤهل لاخراج العراق من هذا المأزق.. عزة الشابندر الذي يعتبر عراب المصالحة الوطنية ام الدكتور احمد الجلبي المتهم الاول في تاجيج الطائفية بدء من قصة الاجتثاث وما تركته من ويلات اجتماعية وانسانية تركت اثارها على استفحال الارهاب في العراق. الدائرة التي تحرك بها الشابندر ولايزال هي دائرة المشروع الوطني الذي من شانه اخراج العراق من وضعه الكارثي الراهن الذي تسببت به سنوات المالكي الثمان العجاف .. وللحديث صله بهذا الموضوع في مقال قادم .. سيكون بعنوان .. لماذا الشابندر رئيسا للوزراء؟