“تواصى كلُّ كرْسيٍّ بداءٍ…فلا تعْجَبْ لداهيَةِ البلاءِ”
القول بأن العلة في المجتمع العربي إنحراف تفكير وسوء تقدير, وإمعان بالإنحدارية والإنهزامية , فمجتمعات الدنيا بأسرها عليلة والكرسي داؤها ودواؤها , الكرسي الذي يمثل الرأس , فإذا إعتل الرأس فالمجتمع سيكون عليلا.
المجتمع الصيني عليل , والكوري والياباني والأندونيسي والماليزي والهندي والسنغافوري , والمجتمعات الغربية , وما حصل فيها أنها حظيت بكراسي وطنية ذات عافية حضارية , تمكنت من تطبيبها ورسم خارطة إنطلاقها السعيد إلى المستقبل الأفضل.
فالصينيون لم يصنعوا أنفسهم , وإنما أوجدهم قادتهم وفي مقدمتهم “ماو” الذي أعاد ترتيب آليات تفكيرهم , ووظف شعره كأداة لترميم وتهديم ما في الرؤوس من آليات عليلة تعيق الحركة للأمام.
المجتمعات تحركها الأفراد , والحضارات تصنعها الأفراد , والمجتمعات تتبعهم.
وفي زمننا المعاصر الهاتف النقال إبتكره فرد وسارت المجتمعات خلفه , وأصبح جزءاً من الفرد , فالمجتمع بأسره مرهون بالهاتف النقال , وكذلك الإنترنيت ووسائل التواصل المتنوعة , والمبتكرات الأخرى كالسيارة والطيارة , وغيرها الكثير من منتوجات الأفراد التي سادت المجتمعات.
فالأفراد يطوّرون المجتمعات , ولا يوجد مجتمع يصنع نفسه دون فرد يرشده ويقوده , وفي تأريح الأمة “محمد” الفرد الواحد صنع الأمة وأطلق ما فيها من القدرات الحضارية , فصار المجتمع رهن الفرد الذي أوجد كينونته الجديدة , , أو أولده من رحم ذاته بعد أن فجر طاقاته , وإستثمرها لبناء القوة والدولة والحياة الواعدة.
فالذين يتهمون ويلومون المجتمع مضللون ودجالون , ويبررون المظالم , ويحررون الكراسي من المسؤولية .
وحتى الديمقراطية مرهونة بالفردية , وتعاني منها المجتمعات التي تأتي بالأفراد وتضعهم في الكراسي , فتكتشف عدوانيتهم ونواياهم .
حصل ذلك في ألمانيا وإيطاليا , والعديد من الدول الغربية الديمقراطية , فالمجتمع يأتي بالفرد الذي يخدعه ويوهمه بأنه الأصلح والأقدر , وإذا به حال جلوسه على الكرسي , يخلع ما عليه من أقنعة , ويتنكر لوعوده وأقواله , وينغمس في رغباته وما تمليه عليه النفس الأمّارة بالسوء , لأن الكرسي من أهم القوى التي تطلقها وتعززها , فقانون الكرسي أقوى من قانون المجتمع مهما توهم .
فالكرسي يصنع ويبيد , والمجتمعات تريد!!
د-صادق السامرائي