18 ديسمبر، 2024 7:19 م

العلاقة بين الديمقراطية والتنمية مع التركيز على حالة البلدان النامية

العلاقة بين الديمقراطية والتنمية مع التركيز على حالة البلدان النامية

ظلت العلاقة المعقدة بين الديمقراطية والتنمية مثار بحث سواء على المستوى الأكاديمي أو مستوى المنظمات الدولية المتخصصة. ويحتدم النقاش ويتعقد البحث أكثر خصوصا عند تناول هذه العلاقة في إطار البلدان النامية؛ نظرا لأن مسار بناء الديمقراطية ومقدماته وعوامله وتحولاته وفق النموذج الغربي خصوصا في أوروبا، قد بُحث لفترة طويلة ومع ذلك فهو لا يزال يُبحث، وهذا هو ديدن المعرفة. أما في البلدان النامية التي لا تزال تجربتها في التحول الديمقراطي حديثة العهد، ومن ثم فإن معطياتها التجريبية والنظرية المشتقة من هذا التحول لا تزال أيضا في طور البحث والاستنتاج ولو بمديات أقل، بل أن هناك بلدانا نامية أخرى لا تزال لم تشهد هذا التحول وتعيش في ظل نظم مستبدة، هذه البلدان هي أيضا موضع بحث في سياق هذه العلاقة بين التحول الديمقراطي والاستبداد والتنمية.
تهدف هذه المقالة البحث في هذه العلاقة من خلال التعرف موجزا على تطور الديمقراطية، وتناول الجانب النظري ذي العلاقة، وفحص الدولة الهشة، وبعض الدروس المستخلصة، وإلقاء الضوء مع شيء من التركيز على تجربة البلدان النامية، وأخيرا التوقف عند تجربة العراق. نأمل أن تُسهم هذه المقالة في توضيح بعض جوانب هذه العلاقة الشائكة واستخلاص بعض الدروس لعلها تكون نافعة.

نبذة عن تطور الديمقراطية

تُعد اليونان القديمة (خصوصا أثينا) على نطاق واسع المكان الذي نشأت فيه الديمقراطية الغربية والفكر السياسي، وكلمة ديمقراطية تمت صياغتها من الكلمتين اليونانيتين demos تعني “الشعب” و kratia تعني “الحكم”. نظريا، كان هذا يعني حكم الشعب للشعب عكس حكم الفرد (الأوتوقراطية) أو حكم الأقلية (الأوليغارشية)، أي على شكل ديمقراطية مباشرة، حيث يمكن لجميع المواطنين أن يتكلموا ويصوتوا في الجمعية العامة. عمليا، لم تشمل الديمقراطية الأثينية بالمساواة وحق الانتخاب جميع الأشخاص، لذلك سُمح للمواطنين الذكور فقط بالمشاركة المباشرة، ونخبة سياسية صغيرة، واستُثنيت غالبية عامة الناس المتكونة من النساء والرقيق والمقيمين الأجانب. في الواقع، لم تشمل الديمقراطية اليونانية معظم العناصر الرئيسة للديمقراطية الحديثة – المساواة لجميع الأشخاص قبل القانون وحق الانتخاب. وبالتالي، مثّلت المشاركة المباشرة في الحكومة من قبل قلة خاصة فحوى الديمقراطية الأثينية(1) . وعند عرض هذه التجربة لابد من أخذ السياق التاريخي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في الاعتبار ودوره في نشأة هذه التجربة وتطبيقاتها.
وبعد قرون تلت، شهدت إنكلترا تحولا بطيئا من المجتمع الزراعي إلى الديمقراطية البرلمانية. وفي فرنسا، كانت هناك حاجة إلى ثورة لإزالة العقبات من أمام الديمقراطية. وفي ألمانيا، أدى نضال الاشتراكيين الألمان في البداية إلى قيام جمهورية فايمار، وهي محاولة هشة لديمقراطية برلمانية والتي ثبت عدم قدرتها على الصمود أمام الكساد الكبير والنازية. واستمر النضال من أجل قيام ديمقراطية دائمة بعد الحرب العالمية الثانية، وأدى ذلك إلى قيام نموذج ديمقراطي ناجح في ألمانيا الغربية. وفي هولندا، لم يُقر حق الاقتراع العام حتى عام 1919، وفقط في عام 1922 ثبت في الدستور حق النساء في التصويت. ويلقي بارينغتون مور الضوء على الظروف التاريخية التي حدثت فيها هذه التحولات، في أوروبا وأماكن أخرى، ويبيّن الدور الأساس الذي لعبته المجموعات الاجتماعية في العمليات السياسية هذه(2). طبعا، كان لعصر النهضة بدءا من القرن الرابع عشر وعصر التنوير الفكري والديني في القرن الثامن عشر اللذين شهدتهما أوروبا والتحولات الاجتماعية – الاقتصادية التي تلت ذلك وتمثلت في زوال الإقطاع وصعود البرجوازية التجارية ومن ثم الصناعية دورا أساسيا في نشوء الديمقراطية الليبرالية وتطورها وتعززها.
هناك العديد من الطريق لفهم الديمقراطية التي تُرتكب باسمها في كثير من الأحيان أكبر الانتهاكات. بالنسبة إلى الإغريق القدماء، تعني الديمقراطية “حكومة الشعب”، كما اشرنا. وبالنسبة إلى مونتسكيو تتضمن الديمقراطية توزيع سلطات الدولة لتأسيس توازن بين هذه السلطات. مع ذلك، بالنسبة إلى البلدان النامية، على سبيل المثال، بلدان أمريكا اللاتينية، أصبحت الديمقراطية تعني فقط حق أي شخص بالإدلاء بصوته بحرية في الانتخابات. لم يُمارس في الحقيقة هذا الحق بشكل كامل وأسوأ من ذلك، أن الناخبين في الغالب ليس لديهم خيارات حقيقية. وعندما يجري النضال من أجل الديمقراطية في سياق إقليمي من التدخل الأجنبي المستمر تقريبًا، فإن النتائج، تميل إلى التطور نحو أشكال أكثر تعقيدًا من الهيمنة(3) سواء الداخلية منها المتمثلة بالأحزاب السياسية والمجموعات الاجتماعية والاقتصادية والدينية المهيمنة أو الجهات الخارجية متمثلة بالدول الغربية خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية التي لها تاريخ طويل في التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان وتغيير نظمها السياسية بالقوة كما حصل في دعمها الانقلاب الدموي في تشيلي عام 1973 ضد حكومة منتخبة دمقراطيا؛ لأنها تعارض توجهات الولايات المتحدة في الهيمنة، وهذا مجرد مثال.

في الجانب النظري

لاحظ عالم الاجتماع الأمريكي سيمور ليبسيت لأول مرة عام 1959 بأن الديمقراطية ترتبط بالتنمية الاقتصادية. هذه الملاحظة ولدت كما كبيرا من البحث في موضوعات السياسة المقارنة ذات العلاقة. فقد جرى دعم هذه الفكرة والاعتراض عليها، ومراجعتها وتوسيعها، وإهمالها وإنعاشها. وعلى الرغم من إعلان الخروج بخلاصات من هذا النقاش إلا أنه لم تظهر نظرية ولا حقائق واضحة حول هذه العلاقة(4).
ظلت العلاقة بين الديمقراطية والتنمية مثارا للنقاش وسط العلماء ويبدو أن هناك وجهات نظر مختلفة بشكل أساسي بشأن تأثير هذا التفاعل. من ناحية، يناقش بعض المنظرين بأن الديمقراطية والتنمية الاقتصادية يعزز كل منهما الآخر. من ناحية ثانية، يرى آخرون بأن الديمقراطية تضر بالتنمية. وما يزال البعض يؤيد فكرة عدم وجود علاقة ملموسة بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية. علما أنه في العقود الثلاثة الأخيرة، حاول العديد من الباحثين تأكيد مواقفهم بشأن هذه العلاقة، لكن انتهوا إلى استنتاجات متباينة.
يجادل بعض المنظرين أن الحكومة الديمقراطية هي الأنسب لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام. إضافة إلى ذلك، فإن العمليات الديمقراطية ووجود الحريات السياسية تولد الظروف الاجتماعية التي تكون ملائمة أكثر للتقدم الاقتصادي؛ إذ يستنتج البعض بأن هناك علاقة ثابتة وإيجابية بين التنمية الاجتماعية – الاقتصادية والديمقراطية، وهذا واضح من حالة كثير من الدول التي مرت بالتجربة الديمقراطية.
هناك مقاربة واسعة الانتشار تعتبر أن الديمقراطية هي ثمرة للتنمية الاجتماعية -الاقتصادية. ومن بحوث تجريبية لمجموعة مختلفة من البلدان خلصت إلى أن التنمية الاقتصادية تتضمن التصنيع والتحضر (ارتفاع نسبة سكان المدن) ومستويات عالية من التعليم وزيادة منتظمة في الثروة الإجمالية للمجتمع، وتكون هذه الشروط أساسية لديمقراطية مستدامة. وعلى الرغم من اتفاق هؤلاء المنظرين بأن الديمقراطية تتطلب مسبقا مستوى معينا من التنمية الاقتصادية، ولكن لا يوجد اجماع واضح حول هذا المستوى ونمط التنمية الذي يخدم هذا الهدف، مع أنه يوجد اعتقاد واسع بأن الفقر يشكل عقبة أساسية أمام التنمية الاقتصادية والديمقراطية.
إنّ نظرة عابرة للعالم ستظهر أن البلدان الفقيرة تميل لتكون ذات نظم مستبدة، بينما الدول الغنية تميل لتكون ذات نظم ديمقراطية، (توجد دول غنية لكنها ذات نظم مستبدة وهذا ينطبق على الدول ذات الاقتصاديات الريعية خصوصا) مع ملاحظة بأن الديمقراطية ترتبط بدون شك مع مستوى معين من التنمية الاقتصادية. ومع أخذ الأهمية المركزية للتنمية الاقتصادية بالاعتبار، ينبغي التمييز بين آليتين قد ولدتا هذه العلاقة وذلك بالتساؤل فيما إذا كانت البلدان الديمقراطية قد انبثقت على الأرجح من تطور اقتصادي في ظل نظام دكتاتوري أو ظهرت لأسباب أخرى غير التنمية، والملاحظ أنه تستمر الديمقراطية على الأرجح في البلدان التي كانت متطورة بالفعل(5). ومن الضروري الأخذ في الاعتبار عند التحليل، تجربة النمو الاقتصادي للفترة السابقة من الحكم الاستبدادي عند تقييم “نقطة البداية” للديمقراطيات الجديدة مقارنة بحالات الديمقراطيات الأكثر استقرارا(6). وكما لاحظ البولندي برزيورسكي وآخرون فانه يبدو من المعقول الافتراض أن الفقر يولد الفقر والدكتاتورية. كما أن انتشار فكرة التنازل عن ميزة من أجل الحصول على ميزة أخرى بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية لا يبدو سليما.
تعكس العلاقة القوية بين الديمقراطية والتنمية حقيقة أن التنمية تفضي إلى الديمقراطية. لكن يثار سؤال لماذا تقود التنمية بالضبط إلى الديمقراطية؟ هذا ما جرت مناقشته بصورة مكثفة من قبل الباحثين. بالطبع لم يكن نشوء المؤسسات الديمقراطية تلقائيا وذلك عندما يحقق بلد ما مستوى معينا من الناتج المحلي الإجمالي. ثم أن التنمية الاقتصادية تجلب تغيرات اجتماعية وسياسية وبالتالي تفضي إلى الديمقراطية إلى الحد الذي تخلق طبقة وسطى كبيرة ومتعلمة وواضحة، وأن يرافق ذلك حدوث تحول في قيم الناس ودوافعهم.
ولكن إذا كان لنظرية التحديث من أي قوة تنبؤية، فلا بد أن يكون هناك مستوى معين من الدخل يؤشر نسبيًا إلى أن البلد سيتخلص من ديكتاتوريته. ومن الصعب على المرء أن يعثر على هذا المستوى: حتى وسط البلدان التي تفي بنظرية التحديث؛ إذ يكون مدى الدخل واسعا جدا، حيث يمكن للدكتاتوريات الاستمرار. علما أنه تطورت نظم مستبدة قليلة على مدى فترة طويلة، وحتى لو تحول معظمها في النهاية نحو الديمقراطية، لكن لا يوجد مستوى معين من الدخل يمكن على ضوئه توقع متى يجب أن يحدث ذلك التحول(7)؛ إذ أن هذا التحول يرتبط بجملة من المتغيرات ذات التأثيرات المتبادلة الاجتماعية – الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية والبيئية الخارجية والتي قد تساعد هذا التحول أو تعيقه.
الدرس الأكثر أهمية الذي تعلمناه أن البلدان الثرية التي تميل أن تكون ديمقراطية ليس لأن نشأة الديمقراطية جاءت نتيجة التنمية الاقتصادية في ظل الدكتاتوريات ولكن بسبب – كيفما نشأت- أن الديمقراطيات من المرجح أكثر أن تبقى على قيد الحياة في المجتمعات الثرية. يمكن أن تفتح التنمية الاقتصادية إمكانيات التحول إلى الديمقراطية، عندما تكون ظروف الديمقراطية ناضجة، وأما الصراعات السياسية فتكون نتيجتها غير معروفة. لذلك من الصعب كشف أي عتبة للتنمية من شأنها أن تجعل نشوء الديمقراطية أمرا متوقعا. باختصار، يبدو أن نظرية التحديث تتوفر على القليل من القوة التفسيرية، إن وجدت مثل هذه القوة(8) أصلا.
أثيرت بعض الأسئلة ذات البعد التاريخي مثل من يسبق أولا الديمقراطية أم التنمية؟ وهل أن الديمقراطية شرط مسبق للنمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي؟ وهل ستكون الديمقراطية فقط قابلة للتطبيق وتتعزز عندما يكون هناك مستوى معين من التنمية قد انجز؟ وهل يجب أن تكون المجتمعات مؤهلة للديمقراطية أو تكون كذلك من خلال تطبيق الديمقراطية؟ وهل تكون التنمية الاقتصادية مستدامة بدون التطور السياسي والعكس بالعكس؟
من ناحية أخرى، تظهر العلاقة الطردية في الاقتصاد الريعي ما بين الاعتماد القوي للدولة في إيراداتها على النفط مثلا وضعف القاعدة الاقتصادية التي تجمع الافراد للمطالبة بحقوقهم السياسية. وبما أنهم لا يساهمون في الدخل لذا يصبحون اقتصاديا وبالتالي سياسيا رعايا يسعون وراء منافع فردية أثناء قيام الدولة بإعادة توزيع الريوع النفطية في شكل إنفاق حكومي هدفه الأساس الحفاظ على الأوضاع الراهنة وتناسب القوى السائدة وتأبيدها(9)، وهذه تُعد من العوامل المهمة في إعاقة التحول إلى نظام ديمقراطي حقيقي كما في حالة العراق. علما أنه لا يكون النضال من أجل الديمقراطية يتعلق فقط بإقامة نظام سياسي، بل يكون الأمر الحاسم قيام ديمقراطية دائمة.
لا بد من التذكير بأن وجود اقتصاد متنوع كأساس يساعد على إقامة ديمقراطية حقيقية لا يعني أن دول الإنتاج ذات الاقتصاديات غير الريعية هي دول تشهد ازدهارا ديمقراطيا، ولكنها الأقدر على التحول نحو الديمقراطية من البلدان النفطية(10). وهذا يتفق مع ما أشرنا إليه أعلاه.
في الواقع، وجد أن استمرار الديمقراطيات من السهل جدا توقعه. على الرغم من أن بعض العوامل الأخرى تلعب أدوارا، إذ أن معدل دخل الفرد هو إلى حد بعيد أفضل مؤشر على بقاء الديمقراطيات على قيد الحياة. تستمر الديمقراطيات في المجتمعات الثرية على الرغم مما يحدث لها، بينما تكون الديمقراطيات هشة في البلدان الفقيرة. ولكن لا يحكم دائما عليها بالموت. ويساعد التعليم على استمرارها بشكل مستقل عن الدخل، ويجعلها التوازن بين القوى السياسية أكثر استقرارا. وتكون المؤسسات أيضا مهمة: فتتوافر الديمقراطيات الرئاسية على احتمال أقل للاستمرار في ظل جميع الظروف التي يمكننا أن نلاحظها مقارنة بالديمقراطيات البرلمانية(11) التي هي أكثر شيوعا على ما نعتقد.
هناك سببان واضحان لقيام الديموقراطية قد يكونان مرتبطين بمستوى التطور الاقتصادي: قد يزداد احتمال قيام الديمقراطية مع تطور البلدان اقتصاديا، أو بعد قيامها لأي سبب من الأسباب، وقد تتوافر الديمقراطيات على احتمال أكثر للاستمرار في البلدان المتطورة. علما أنه يُدعى التفسير الأول “ذاتي النمو” ويُدعى الثاني “خارجي المنشأ”(12).
أخيرا، هناك عوامل أخرى تؤثر في البناء الديمقراطي منها: الارث السياسي، أي هل كان البلد مستقلا أم خضع للسيطرة الاستعمارية (في كثير من الدول كانت الديمقراطية من ارث الاستعمار لكنها لم تستمر)، والتاريخ السياسي للبلد وعدد المرات التي حكم فيها من قبل النظم المستبدة، والبنية الطبقية والدينية والمذهبية والبنية الإثنية واللغوية، والبيئة السياسية الدولية ونسبة النظم الديمقراطية في العالم خلال فترة معينة وغيرها.

الدول الهشّة

عندما نعالج الدول الهشّة(13) فإنه من الخطأ الفادح تجاهل أهمية الشرعية؛ إذ إما بسبب نقص الشرعية تصبح الدولة هشة، وإما لأنه يجب بناء دولة قابلة للحياة وبالتالي شرعية في بلد ما بعد الصراع. في الوقت نفسه، علينا التأكد من أن المؤسسات تتلقى الإشارات من المجتمع وتستجيب لها على نحو كاف. لذلك من المهم ليس فقط دعم القدرات الفنية للبرلمانيين، لكن مساعدتهم أيضا لزيادة شرعيتهم كممثلين من خلال محاسبة ناخبيهم لهم على أفعالهم. من الأهمية بمكان عدم التقليل من مخاطر الاستعانة بمصادر خارجية في ما يخص مهام ومسؤوليات الحكومة الرئيسة. ومن الطبيعي أن تكون الخدمات الأساسية عاجلة، لكن ينبغي أن تؤخذ الشرعية في الاعتبار في ضمان استلامها(14) من قبل المواطنين. وهذا الحالة تنطبق على العراق، حيث أن نقص أو انعدام الخدمات الأساسية يضعف شرعية النظام السياسي.
يُعد نسبيا تقدم الديمقراطية هدفا جديدا في التعاون الإنمائي، إذا فُهم بالمعنى الدقيق للكلمة، فهو يعني التطور السياسي. لكن ينبغي أن يميز بوضوح تعزيز الديمقراطية عن حقل تقوية نظام الإدارة العامة، حيث للأخيرة تاريخ طويل في التعاون الإنمائي. يظل في الواقع كثير مما يُطلق عليه حاليا بتعزيز الديمقراطية في سياق برامج الحوكمة الجيدة ذات الطبيعة التقنية: المساعدات الانتخابية ودعم الخبراء والدعم المادي للمؤسسات ذات العلاقة مثل البرلمان(15)، وهو غير كاف لتعزيز الديمقراطية في البلدان النامية.
هناك من يرى أن إجراء الانتخابات خلال عمليات الإصلاح الأولية يعمل عمليا على إبطائها؛ لسبب بسيط يتمثّل في أنه في البيئات ذات الدخل والتعليم المنخفضين جدا، تميل الانتخابات إلى أن تطغى عليها الأجندات الشعبوية. وستنتصر الشعبوية تقنيا على الاستراتيجيات الأكثر تطورا في هذه البيئات(16)، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك ومنها ما يجري في العراق.

بعض الدروس

في الواقع، تستمر الدكتاتوريات لسنوات في بلدان كانت ثرية، استنادا إلى معايير المقارنة ذات العلاقة. ومهما كانت العتبة التي من المفترض أن تؤدي التنمية عندها إلى حفر قبر النظام المستبد، إلا أنه من الواضح أن الديكتاتوريات لا بد أن تكون قد مرّت بهذه العتبة وهي في وضع جيد. علما أنه ازدهرت أيضا الدكتاتوريات في سنغافورة وتايوان وإسبانيا والمكسيك وبلدان أخرى لسنوات عديدة بعد أن ارتفع الدخل فيها فوق 5000 دولار، هذا الدخل الذي لم يكن لدى أستراليا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا الغربية وإيسلندا وإيطاليا وهولندا والنرويج بحلول عام 1951. وهناك دكتاتوريات استمرت على الرغم من الاحتمال القائل أنه ينبغي ان تتحول إلى الديمقراطية، إذ جرى توقع ذلك استنادا إلى مستوى التنمية وحده(17). وهذا يُظهر مدى تعقد العلاقة بين التحول الديمقراطي والتنمية وارتباطه بعوامل أخرى أكثر تشعبا.
فُرضت الديمقراطية في بعض البلدان من قبل دول الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية. تشمل هذه البلدان ألمانيا الغربية التي بحسب التوقع كان ينبغي أن تصبح ديمقراطية بحلول عام 1952، واليابان التي أصبحت ديمقراطية عام 1965(18)، علما أنه ذُكر هذان المثلان مرارا في خضم احتلال العراق من قبل أمريكا وبريطانيا لتبرير الاحتلال وفرض ما ادعي أنه ديمقراطية.
حاليا، من الممكن أكثر مقارنة بالسابق قياس التغيرات الرئيسة والمدى الذي تقدمت فيه بلدان معينة. فقد جعل التحليل المتعدد المتغيرات من استطلاعات القيم ذلك ممكنا لفهم التأثير النسبي للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأشارت النتائج إلى خلاصة تقول بأن التنمية الاقتصادية تفضي إلى الديمقراطية بقدر ما تحدث من تغييرات هيكيلية معينة (خصوصا صعود قطاع المعرفة) وتغييرات ثقافية معينة. كما تؤثر الحروب، والاضطهاد والتغييرات المؤسساتية، وقرارات النخب وقادة معينين في ما يحدث، لكن تعد التغييرات البنيوية والثقافية عوامل رئيسة في نشوء الديمقراطية واستمرارها.
وهناك من يرى أنه من أجل تعزيز الديمقراطية نحتاج أن نتعلم من أخطاء الماضي. ولا يمكن للدمقرطة أن تتعزز بالاعتماد على النماذج الغربية فقط. إذ أن الدعم المؤثر للدمقرطة ينبغي أن يركز على المبادئ الديمقراطية العامة في سياق اجتماعي – اقتصادي، سياسي معين.
في الهند مثلا، لم تتغير بشكل جذري نسبة السكان الذين يمكن تصنيفهم كفقراء بالمقياس المطلق منذ الاستقلال. يعني هذا أن التجربة الهندية لا تؤكد توقع الأداء الجيد للنظم الديمقراطية في جميع الأحوال بشأن الرفاه الاجتماعي. إذ من ناحية بُعد النمو تبدو الصورة أكثر تعقيدا قليلا: حيث كان هناك تأكيد على التصنيع، ولكن بسبب المعدل المنخفض للنمو في القطاع الزراعي، كانت النتيجة الإجمالية نموا ضعيفا إلى حد ما.
لم تعتمد كوريا الجنوبية على الاطلاق في بداية التصنيع على الديون الخارجية أو الاستثمارات الأجنبية، وبدلا من تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي الدوغمائية (المتزمتة)، اختارت قيادة كوريا الجنوبية تبني استراتيجية تنمية خاصة بها. وتميزت سياساتها البديلة باستبدال الواردات مترافقة مع ترويج أو تعزيز مكثف للصادرات، وكلها مدعومة بتدخل الدولة القوي كمخطط وقائد ومحفز التنمية. وفيما بعد، جرى فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة من أجل جذب رأس المال، وكان الهدف من ذلك هو توجيهه نحو الشركات، حيث يمكنها بلورة نقل التكنولوجيا والمساعدة على بناء قدرات تكنولوجية محلية(19). وكانت النتيجة تحقيق تطور اقتصادي وصناعي لافت، وأصبحت الشركات الكورية تستحوذ على عدد غير قليل من المشاريع الصناعية في العديد من البلدان ومنها العراق، حيث على سبيل المثال أن الشركة الرئيسة التي عُهد إليها بإنشاء ميناء الفاو هي كورية. على الرغم من أن هذا التطور لم يكن بعيدا عن الازمات التي هي سمة النظام الرأسمالي، كما حدث في أزمة عام 1998 في منطقة شرق آسيا، حيث أن كوريا الجنوبية جزء منها.

البلدان النامية

ينبغي علينا أن ندرك أن الحد من الفقر البنيوي لا يمكن تحقيقه دون ديمقراطية حقيقية. لكن هذا لا يعني فرض الديمقراطية بالقوة، أو الترويج لإرساء الديمقراطية كحل سريع لمشاكل التنمية المعقدة. وينبغي أن يشجع التعاون الإنمائي ويدعم عمليات التغيير والتحرر السياسيين الناشئة في البلدان النامية والتي ستساهم في نهاية المطاف بوجود عالم مستدام مع فقر أقل ومزيد من المساواة. للقيام بذلك، هناك حاجة إلى التركيز على زيادة وصول الفقراء أنفسهم إلى هذه العمليات والمشاركة فيها. لقد حان الوقت لفاعلي الديمقراطية والتنمية لتوحيد جهودهم .إذ يتطلب هذا النوع من التعاون الإنمائي مؤسسات سياسية، وطموحات واقعية، واستراتيجية تتناسب مع الحقائق السياسية على الأرض. في الواقع، يتطلب الأمر، عين على الإصلاحات الديمقراطية الضرورية وعين على ميزة الديمقراطية. وفي السياق العالمي المضطرب الذي نعيش فيه خصوصا، فإن أوروبا ملزمة بأن تفعل أكثر بكثير مما فعلت حتى الآن؛ إذ أن مصداقية جهودها الإنمائية على المحك(20) في الوقت الحاضر في ما يخص دعم البلدان النامية أكثر من أي وقت مضى.
لا توجد علاقة تلقائية بين الشكل الديمقراطي للنظام وإجراءات تحسين الرفاه الاجتماعي للجماهير. تتوافر الديمقراطية على إمكانات في هذا الصدد، والتي قد تتكشف أو لا تتكشف، وهذا يعتمد على عدد من العوامل من بينها الأكثر أهمية، الموارد والقوة والوعي والتنظيم والتأثير السياسي للقوى الشعبية. وينبغي أن يُنظر إلى هذا الأمر في ما يتعلق بطابع النخب وقوتها، التي تتعاون غالبا في تحالف مهيمن. ويكون وضع النخبة الزراعية ذا أهمية خاصة، بسبب من أنها قد تمنع إجراء الإصلاح في المناطق الريفية، والذي غالبا ما يكون حيويا لتحسين الرفاهية بشكل عام(21) ويمكن مقارنة ذلك بالعقبات الإدارية والاجتماعية التي واجهت تطبيق قانون الإصلاح الزراعي في العراق الذي شرع عام 1958.
عندما يشرع النظام العسكري في تبني نسخة من النمو المركزي الذاتي والذي يكون موجها بشكل خاص إلى النخبة، في جانب كل من العرض (التركيز على السلع الاستهلاكية المعمرة) والطلب (التصنيع ذو رأس المال الكثيف مع تحقيق معظم الفوائد لطبقة قليلة من الموظفين والعمال المهرة وذوي الياقات البيضاء). فإن هذا يعني أن الغالبية الفقيرة من السكان لم تكن تشارك حقا في عملية التنمية؛ إذ أن الاحتياجات الأكثر إلحاحا بالنسبة لهذه الغالبية هي الصحة الأساسية والسكن والتعليم وفرص عمل مجزية(22).
هناك مشكلة أخرى تثار بشأن برهان الاستقرار. فعلى سبيل المثال، يكون في الغالب الاستقرار في الشرق الأوسط إما ظاهريا وإما هشا في أفضل الأحوال. إن القيام بإصلاحات ديمقراطية سيمكن بلدان المنطقة من الارتباط مع عالم آخذ في العولمة. وكما في أماكن أخرى، فإن الدمقرطة تُشكل شرطا أساسيا للعدالة والازدهار في هذه المنطقة. اليوم، وبعد الفشل في العراق، نحن نشهد إعادة التأكيد على الاستقرار كهدف رئيس. ولكن يمكن فقط أن يكون للاستقرار معنى عندما يستند إلى التنمية والسلام والأمن. لذلك ستزيد في النهاية الإصلاحات الديمقراطية الحقيقية من داخل المجتمعات الاستقرار الحقيقي(23) . وما اندلاع الانتفاضات الشعبية في عدد من البلدان العربية، بدءا من عام 2011، إلا محاولات أولية لإقامة نظم ديمقراطية في المنطقة العربية، وعلى الرغم من الفشل الذي أحاط بتحقيق أهدافها فيمكن القول أنها تمثّل بروفات أولية تنبئ بحدوث تحولات أكثر عمقا واتساعا مستقبلا.
إذا كانت مؤسسات دولية خصوصا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد أدت دورا في دفع بعض النظم العربية التي لجأت إليها بهدف جدولة ديونها والحصول على قروض وتسهيلات اقتصادية، للسير في طريق التعددية السياسية والانفتاح السياسي، وذلك باعتبار أن هذه المؤسسات تشدد على مسائل مثل حقوق الإنسان وسيادة القانون والشفافية، إلا أنه في المقابل، فإن سياسات التكيف الهيكلي التي اضطرت النظم المعنية لتنفيذها بحسب وصفات الجهتين وبضغوط منهما قد كان لها تأثيراتها السلبية في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدول المعنية، حيث أدت إلى تزايد حدة مشكلة البطالة، وتفاقم التفاوت الاقتصادي والاجتماعي، وتدهور معيشة قطاعات واسعة من المواطنين وخصوصا الفقراء ومحدودي الدخل. ونظرا لذلك فقد ترتب على هذه السياسات اندلاع تظاهرات وأعمال عنف في العديد من الدول، اصطلح على تسميتها بـ “إضرابات صندوق النقد”، ما دفع النظم الحاكمة إلى اتخاذ إجراءات غير ديمقراطية بهدف مواجهة هذه الاحتجاجات الجماعية، والاستمرار في تنفيذ السياسات المعنية(24). وهذا ما فاقم الأوضاع أكثر وعجل باندلاع الانتفاضات العربية المشار إليها.
في البلدان الأفريقية، وبسبب تقصير أداء جميع المؤسسات الرسمية بشكل نظامي في نظر التوقعات الشعبية، سوف يسد الناس الثغرات المؤسساتية بالعلاقات غير الرسمية. وكما في أماكن أخرى، تقرر فعالية الديمقراطية مقدار المساحة المتبقية للمؤسسات غير الرسمية لتقويض التنمية المستدامة والمنصفة(25). وينطبق هذا الحال على العراق، حيث تقوض المؤسسات غير الرسمية ومنها المليشيات أي تنمية حقيقية بمعناها الشامل.
طالما طُرح سؤال هل التدخل الخارجي وتعزيز الديمقراطية يتوافقان في ما بينهما على طول الخط؟ إن المساعدات الإنمائية في نموذجها التقليدي من شأنها أن تقوض الديمقراطية بدلا من تعزيزها فعليا؛ بسبب من أن مثل هذه المساعدات تقدم في الغالب في ظل شروط غير شرعية، فعلى سبيل المثال، جعل المساعدات هذه عرضة للنقاش واتخاذ القرار بشأنها في الهيئات الوطنية مثل البرلمان، كما وضح ذلك إنيك فان كيسيل في بحثه حول مستقبل الديمقراطية في إفريقيا(26) وهذا ينطبق أيضا على بلدان أخرى خارج القارة.
في ضوء مشكلات التنمية المعقدة، وعدم المساواة والاستبعاد الاجتماعي والعنف والإفلات من العقاب التي ابتليت بها أمريكا اللاتينية. سيتعين على الديمقراطيات في المنطقة إيجاد الحلول لهذه المشكلات قريبا إذا هي أرادت الاستمرار. وعندما لا يستطيع عدد كبير من الشباب المشاركة في التقدم الاقتصادي، فهم ليس لديهم ثقة في المؤسسات الرسمية الحاملة للديمقراطية. وإذا ترك التهميش دون معالجة، فإنه سيقود إلى المزيد من العنف والاجرام المؤسساتي. إن منع ذلك هو أكبر تحد لبقاء الديمقراطية في أمريكا اللاتينية(27) التي شهدت نظمها السياسية تقلبات ما بين الدكتاتورية والديمقراطية بتأثير العوامل الداخلية والخارجية.
هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن العامل المهم لاستقرار النظام هو أيضا توزيع الدخل بين المجموعات المختلفة. ويمكن أن يحفز التفاوت الكبير في الدخل في ظل النظم الدكتاتورية، الحركات التي تجذبها وعود المساواة في الديمقراطية. وقد تسعى المجموعات الاجتماعية المهيمنة في ظل الديمقراطية إلى اللجوء إلى الاستبداد عندما يمارس الفقراء حقوقهم السياسية- سواء في شكل حق الاقتراع أو حرية تأسيس الجمعيات- التي تنتج منها الضغوط المطالبة بالمساواة.
لسوء الحظ، يكاد يكون من المستحيل اختبار هذه الفرضيات. إذ أن أفضل معطيات متوفرة بشأن توزيع الدخل العائدة إلى دينينجر وسكوير عام 1996، لا تزال بعيدة عن الاكتمال وتجمع بين الأرقام التي جرى جمعها بطرق مختلفة. وبالنسبة إلى كثير من البلدان الأخرى، فإن المعلومات إما غير متوفرة على الاطلاق، وإما متوفرة فقط لسنوات متفرقة وبشكل غير مُنظم(28) . وهذا ما يعيق التحليل المنهجي والخروج بخلاصات أكثر موثوقية.
هناك حاجة لإلقاء نظرة نقدية على الحكومة وأعمال مانحيها، وعند الضرورة، اتخاذ خطوات لضمان أن التعاون من أجل التنمية لا يُضعف المؤسسات الديمقراطية الوطنية أكثر. وإذا أثر هذا الجانب في التعاون الإنمائي، فإن المساعدة ستكون في الواقع غير مسؤولة(29) ، لأنها تمثُل تدخلا في الشؤون الداخلية.

العراق
بالنسبة إلى العراق، فقد جاءت تجربته الديمقراطية المتعثرة إثر احتلال، وكان البلد قبل ذلك منهكا بسبب الحروب الداخلية والخارجية والعقوبات القاسية التي فرضتها الأمم المتحدة بعد غزو الكويت من قبل نظام صدام حسين عام 1990؛ إذ انتشر الفقر على نطاق واسع وتراجعت الخدمات الأساسية والتعليم والصحة. ونتيجة تبني نهج المحاصصة الطائفية والإثنية الحاضن للفساد المالي والإداري بعد سقوط النظام عام 2003، لذلك لم تنطلق تنمية اجتماعية – اقتصادية حقيقية ترافق التغيير السياسي وتعززه نحو بناء نظام ديمقراطي على الرغم من ارتفاع عائدات العراق من النفط، بل ظلت أغلب المصانع معطلة والزراعة تتراجع، وتعزز التفاوت الطبقي وانتعشت الفئات الطفيلية وتفتت النسيج الاجتماعي وضعفت الهوية الوطنية أمام انتعاش الهويات الفرعية، الطائفية والإثنية والقبلية والمناطقية. وكل هذه الأمور لا بد أن ترتبط بعلاقة عكسية سلبية مع تعزيز الديمقراطية وتزيد من تعثرها وتشوهها.
ونحن نعرف من تجارب المجتمعات أنه كلما انتشر الفقر والعوز وضعف الأمن فإن المطالبة بالحريات والحقوق السياسية تتراجع، وتصبح الأولوية لمتطلبات الحياة الأساسية. وقد لاحظنا ذلك من شعارات انتفاضة تشرين 2019، التي ركزت في مضمونها على العدالة الاجتماعية ولم تركز على تعزيز الديمقراطية كنظام. بل هناك من يبحث عن منقذ حتى لو كان مستبدا عندما تتردى الأوضاع، وتجربة تونس شاهد على ذلك، إذ مهد ضعف التنمية الاجتماعية-الاقتصادية إلى عودة الاستبداد.
من جانب آخر، بات الريع النفطي عائدا مباشرا للدولة العراقية يمثّل المفترق الأساس في الفلسفة الاقتصادية-السياسية، وهو أما السير في طريق التنمية والتحديث والتحول من المجتمعات ما قبل الرأسمالية إلى حالة اجتماعية-اقتصادية جديدة تتمثل بآفاق دولة المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية ونشوء الدولة الديمقراطية الحديثة أو الغاء الهياكل المؤسسية والتمحور حول نمط انتاج يعتمد الريع النفطي أداة لمركزة السلطة الذي يزيد من استبدادها(30). وهذا هو المتحقق في الواقع في مجرى التراجع في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير وقمع الحريات.
وعلى الرغم من كثرة الحديث عن إعادة الإعمار في العراق، إلا أن ما تحقق حتى الآن محدود ومتواضع بكل المقاييس. ومن أسباب ذلك أن هناك مشكلات ارتبطت بعملية إعادة الإعمار ذاتها، وخصوصا في ما يتعلق بخطط إعادة الإعمار، وعمليات تميلها وإدارتها، ناهيك عن حجم الفساد المرتبط بهذه العملية. وهذه الأوضاع خلقت مشكلات وتحديات تُعقد بكل تأكيد عملية بناء مؤسسات ديمقراطية(31). وقد ثبت أن نهج المحاصصة الطائفية – الاثنية هو الحاضنة الأهم لتوليد الفساد الإداري والمالي وانتشاره في مفاصل الدولة والمجتمع، وأن مكافحته سوف لن يكتب لها النجاح – بل الحديث عنها مجرد للاستهلاك – في ظل هذا النهج وباستخدام أدواته نفسها.

الهوامش

(1) European Parliamentarians with Africa, Democracy: Cornerstone for Development, Amsterdam: 2012, p. 15.
(2) Bert Koenders, Democracy Meets Development in Democracy and Development, Amsterdam, KIT Publishers, 2008, p. 104.
(3)Victor Manuel Figueroa Sepulveda (ed.), Development and Democracy: Relations in Conflict, Leiden/ Boston: Brill, 2017, p. 112.
(4) Adam Przeworski et all., Democracy and Development, Cambridge University Press, 2000, pp.78-79.
5)) Ibid., p. 78.
6)) Georg Sorensen, Democracy, Dictatorship and Development: Economic Development in Selected Regimes of the Third Word (Hampshire/ London: Macmillan, 1990(, p. 177.
7)) Przeworski et all., p. 97.
(8) Ibid., p. 137.
(9) صالح ياسر حسن، الريوع النفطية وبناء الديمقراطية الثنائية المستحيلة في اقتصاد ريعي، بغداد، مركز المعلومة للبحث والتطوير، 2013، ص 173.
(10) المرجع نفسه، ص 174.
(11) Przeworski et all., p. 137.
(12)Ibid., p. 88.
(13) لمقارنة مفهوم الدولة الفاشلة ومقررات فشلها، راجع: هاشم نعمة فياض، دراسات في الدين والدولة، بغداد، المركز العراقي للدراسات والبحوث المتخصصة، 2018، ص 101-106.
(14) Koenders, p. 117.
15)) Bert Koenders & Cor Beuningen, “Democracy, Nation Building and Development”, in Democracy and Development, Amsterdam, KIT Publishers, 2008, p. 82.
)16) Paul Collier, “Fragile States”, in Democracy and Development, Amsterdam, KIT Publishers, 2008, p. 93.
(17) Przeworski et all., p. 94.
18)) Ibid., p. 87.
)19) Cristina Recendez Guerrero, Economic Growth, Democracy and the Construction of Citizenship in South Korea, in Development and Democracy: Relations in Conflict, Leiden/ Boston, Brill, 2017, pp. 109-110.
(20) (20) Koenders, p. 103.
(21) Sorensen, p. 166.
(22) Ibid., p. 181.
(23) Koenders, pp. 109-110.
(24) حسين توفيق إبراهيم، العوامل الخارجية وتأثيراتها في التطور الديمقراطي في الوطن العربي، في الدولة الوطنية المعاصرة: أزمة الاندماج والتفكيك، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2008، ص147 – 148.
(25) Koenders, p. 112.
(26) Koenders & Beuningen, p. 73.
(27) Koenders, p. 113.
(28) Przeworski et all, p. 117.
(29) Koenders, p. 115.
(30) حسن، ص 182.
(31) إبراهيم، ص 155.