قبل أن نجيب على مثل هذا التساؤل، لابد أن نستعرض الأزمات السياسية ،التي تعصف بعموم العملية السياسية ،وأحزابها وكتلها المتناحرة على المناصب والنفوذ، فما أن تخرج الحكومة من أزمة ،إلاّ وتقع بأخرى أكبر من سابقتها،فالعملية القيصرية التي أدت الى تشكيل حكومة الإطار التنسيقي، برئاسة السوداني ،جاءت بفضل إنسحاب التيار الصدري من البرلمان،وليس بسبب إستحقاق الإطار الإنتخابي، وبعد ضغوطات وتهديدات دينية وسياسية وإقليمية للسيد مقتدى الصدر شخصياً، قبل أن يدخل الحرب الشيعية – الشيعية نفق الحرب الاهلية ، والتي خططت لها أمريكا ،والجميع يعلم بإستراتيجيتها في العراق، وهي تطبيق شعار الفوضى الخلاقة ، وإشعال حرب طائفية بين كل الطوائف شيعية – شيعية وسنية – سنية –و كردية – كردية،،وهو مايجري الآن من إحتراب سياسي غير معلن ،بين التيار الصدري والاطار التنسيقي، وبين الديمقراطي والإتحاد الوطني، وبين سيادة وعزم الخنجر،وبين تقدم الحلبوسي ،وهكذا يشهد العراق صراعاً داخلياً وإقليمياً،والتهديدات الإيرانية للإقليم ، والقصف التركي اليومي للأراضي العراقية ، دليل على مانقول،إذن العراق غير مستقر، وداخل في حروب متعددة الرؤوس والاتجاهات،وحكومة السوداني في وضع لاتحسد عليه، فهو بين مطرقة الإطار التنسيقي، وهيمنة نوري المالكي على قرارات الحكومة، وقيادته لها من خلف الستار، وبين موقفه مع بقية الكتل في مايسمى( إدارة الدولة )،التي تطالب السوداني بتنفيذ الإتفاقات التي شكلت الحكومة بموجبها، وتنصّل الإطار عن تعهداته في تنفيذها ونكث العهد بينهم، مما أثار زوبعة من الخلافات التي طفت على السطح، على شكل رفض إقرار الموازنة وإدخال مواد غير دستورية فيها،لحساب الكتل وأحزابها، لاسيما وإن الموازنة ،لثلاث سنوات عجاف ستحصد الأحزاب التي قررتها ،المال الوفير منها ،وخاصة أنها مقبلة على إنتخابات مجالس المحافظات ،وتصرّ أن تحقق اكتساحاً لأحزابها ،على حساب البقية ،ولتسيطر على المشهد السياسي مابعد الإنتخابات،في وقت تعاني الوزارات والشعب العراقي الامريّن، من تأخر اقرار الموازنة ،التي جعلت الوزارات( كاعدة على الحديدة)، والشعب ينتظر التعيينات وتنفيذ المشاريع الخدمة الكبرى، التي هو بأمس الحاجة لها،فتأخر إقرار الموازنة ، سببه إصرار الكتل الكبيرة المتنفذة ،على ابتزاز الحكومة، ووفرض إرادتها ومصالح أحزابها على مصلحة الشعب العراقي، الذي يتضوّر جوعاً ،وينتظر الموازنة على أحّر من الجمر، ففي العراق، الحياة متوقفة تماماً، والعملية السياسية تشهد صراعات وخلافات عميقة،ناهيك عن الفشل في السيطرة على السلاح المنفلت الخارج عن القانون، والذي يعدّ هو الحاكم الفعلي للحكومة، وتنمّر وإنفلات العشائر و(دكاتهم )،التي تؤكد ضعف سيطرة الحكومة ،على الوضع الامني وتطبيق القانون،نعم الأوضاع كلها في العراق خارج السيطرة ،من البصرة ودكات العشائرفيها، الى نينوى وأزمة البككا في سنجار ومخمور، وعقدة توسعة الموصل والصراع داخل المدينة، بين الاحزاب والجهات المتنفذة والمتحكّمة بمصيرها وتنوّع القرار السياسي،الى العاصمة بغداد ومايجري فيها من خرق وإنفلات، كما جرى في الدورة ومدينة الصدر وغيرها ،أما في ديالى فالأوضاع على كفّ عفريت طائفي، تحت مسمى الإرهاب الداعشي ،وهو ليس فقط تربص داااعش وتنمره الوحشي،وإنّما الصراع على الموارد والنفوذ، بين أحزاب السلطة والعشائر المسلحة المتسترة والمستقوية بجهات داخلية وخارجية،وهكذا في مدن الناصرية والعمارة ،أما في العلاقات الإقليمية والدولية، فالعراق، لايمتلك كلمته ونفوذه وقراره وهيبته وسيادته،فتركيا وإيران (تلعبان شاطي باطي)، بقطع الأنهر الحدودية على العراق، إضافة الى القصف اليومي من قبلهما داخل العمق العراقي،والتهديدات على الحدود العراقية وأراضيه،والعلاقات شبه المتوترة مع الكويت والاردن والسعودية ، عدا بعض التفاهمات الخجولة ،مع بقية دول الخليج العربي ومصر،إذن العراق يعاني من غياب الإرادة السياسية والوطنية، لإعادة العراق الى وضعه الطبيعي ،في علاقاته العربية قبل الدولية، وفشل الدبلوماسية العراقية( فضحتنا)،في ترميم هذه العلاقات، بسبب هيمنة الأحزاب على وزارة الخارجية ،وإرسال سفراء بلا كفاءات ،من العوائل والأحباب والنسايب الى الدول،كل هذا جعل من العراق دولة فاشلة بإمتياز، على الصعيدين الداخلي والخارجي، والسبب فشل أحزاب السلطة ،في طي صفحة الماضي ،بكل آلآمه وخطاياه وأخطائه، والانفتاح على المستقبل وترك عقدة الماضي ،فكل من يأتي الى العراق، يرى بأم عينه ،فشل الدولة في لملمة جراحها ،والامساك بمقود المستقبل ، دون النظر الى الخلف المؤلم، فهذا لاتستطيع الأحزاب ولاتريده دول الجوار، الحاقد تاريخياً على العراق، للثأر والإنتقام منه ،وهي حقيقة نراها كل يوم،والسبب الأخطر من هذا ،هو الولاء المزدّوج للأحزاب وعلاقاتها العقائدية والدينية ،مع دول الجوار وفي مقدمتها إيران وامريكا،فالعلاقات شيء طبيعي، ولكن الولاء لهذا الدول هو غير الطبيعي،مما يجعل بقاء العراق ،دولة تابعة وذليلة للخارج ، هذا هو وضع العراق الآن، ومن يريد التغيير ويعمل عليه ، هو بسبب هذا الفشل في إدارة الدولة التي حولتها هذه الاحزاب، الى دولة ذيليلة تابعة لإيران وأمريكا وتركيا، وكلتا الدولتين ،لاتريدان الخير للعراق وأهله، فهل من متفكّر للأمر…