اليتيم هو من مات عنه أبوه وهو صغير لم يبلغ الحلم؛ أي قبل البلوغ. ويستمر وصفه باليتم حتى يبلغ، لقول النبي محمد: «لا يُتْمَ بعد احتلام.» وهناك اللطيم وهو الذي فقد كلا الوالدين. وكل لطيم يتيم إن كان ذلك قبل البلوغ، وليس كل يتيم لطيماً لأن اليتيم هو من مات عنه الأب قبل البلوغ واللطيم من مات عنه الوالدان.
من هنا بدأت حياة السيد محسن الحكيم(قدس)باليتم، حيث فارقه والده وهو في السنتين الأوليتين من عمره، وتوفي عنه والده في بلاد الهجرة، في (جبل عامل) عام ١٣١٢ هجرى، وتركه مع والدته وأخيه الأكبر آية الله السيد محمود الحكيم(قدس)الذي كان يكبره بعشرة سنوات، لتتولى الأم والأخ الكبير تربيته ورعايته في ظروف معاشيه وعائليه صعبة، من هنا بدأ حياته إنسانا مجاهدآ لنفسه، وفي مجتمعه، وكان عليه أن يختار النهج الصحيح، ويشق طريقه معتمدآ على الله سبحانه، وعلى النفس، والإدارة وحسن الاختيار، حيث كانت الأجواء الروحية والمعنويه التي خلفها والده وراءه، وكذلك أصحابه، كان لهم دور في هذه الرؤية، والتصميم والاختيار، لذا لاحظنا بدقة طبيعة المنهج العلمي والسلوك الأخلاقي والعلاقات الاجتماعية التي كانت تحيط الإمام الحكيم(قدس)في بداية شبابه.
لايمكن أن يكون من الصدفه والاتفاق، أن الأنبياء من أولي العزم كانوا يتصفون باليتم، كما نلاحظ ذلك في ابراهيم، وموسى،وعيسى،ونبيّنا محمد(ص)،بل قد يكون اليتم سرآ من الأسرار الإلهية، التي تمنح شخصية النبي عنصرآ نفسيآ تكامليآ، تجعله قادره على الاعتماد على النفس، وتحمّل المسؤوليات الضخمة التي لابد له من القيام بها، والإمام الحكيم يبدو أن اليتم كان له دور مهم في تكوين الجانب النفسي والذاتي في شخصيته.
لقد كان الإمام الحكيم يتصف بقوة الإرادة، والقدرة الفائقة في السيطرة على عواطفه، وأحاسيسه، وأعصابه، ما يجسد في جانب من هذه الصفة، الاعتماد على النفس.
وقوة الإرادة، واتجاهاتهم أمام ما هو محرم وممنوع شرعآ، تكاد أن تكون أمرآ طبيعيآ في الإنسان الصالح المتقي، فضلآ عن الصالحين من المستوى الخاص، كالامام الحكيم (قدس)، ولكن عندما تكون قوة الإرادة في السيطرة على النفس في الأمور المباحة، من أجل الوصول إلى المستوى الأكمل في حركة النفس الإنسانية، وكتعبير عن المعاني، والمثل، والكمالات الإلهية، تصبح قوة الإرادة ذات مضمون آخر في شخصية الإنسان.
لذا كانت أحدى الصفات البارزة لديه، التي يكاد أن يلمسها كل إنسان يعاشره، هي الصفات الأخلاقية والسلوكية، التي تتجسد فيها الروحانية والمعنوية العالية، والتخلق بالكمالات الإلهية التي أراد لهذا الإنسان.
من خلال مسيرة الواقع نجد في حركة أمتنا الإسلامية أنه كان هناك مراجع متعددون، ولهم جماعات متعددة ترتبط بهم، باعتبار أن قضية التقليد مفتوحة، وكل يعتقد بأعلمية مرجعه، لكن نجد واحدآ من هؤلاء المراجع هو الذي يقود المسيرة بشكل عام، والمراجع الآخرون يلتفون حوله ويؤيدونه.
هذا ما وجد في مرجعيته، فقد دخل المعركة السياسية والاجتماعية والتغييرية في الأمة في العراق وخارجه، وكان هناك مراجع للتقليد بمستوى من المستويات، لكنهم كانوا يقفون إلى جانبه، وخلال مواجهة المد الأحمر والتيارات القومية والاشتراكية، وغير ذلك من المواجهات التي حدثت في العراق، كان الإمام الحكيم هو محور المسيرة، فتمكن أن يحفظ وحدة المسلمين في العراق، وهو أول من دافع عن الحكم الإسلامي في الجهاد ضد الانكليز، كما دافع عن المسلمين السنه عام ١٩٥٨و١٩٥٩، حيث كانت هناك محاولات لضرب علماء السنه، كما دافع عن الأكراد في شمال العراق وأكثريتهم من السنه، وكان له موقف مع فلسطين،وكذلك موقفه من قضية إعدام قادة الإخوان المسلمين بمصر وشجبه لعملية الاعدام، وتعامله ومواقفه مع التيارات الكافرة التي أجتاحت الساحه الاسلاميه، الغربية منها والشرقية، لذا نراه حفظ التوازن بين وحدة المسلمين من جانب، والدفاع عن الشيعة من ناحية آخرى؛ لذلك أصبح للمرجعية الدينية كيانها السياسي القوي المتفاعل في أوساط الأمة.
هذا ما اراده الإمام الحكيم من وحدة المسلمين، لا يعني التخلي عن مذهب أهل البيت عليهم السلام أو أتباع مذهب أهل البيت ،أنما ليكون الجميع قوة واحدة مقابل أعداء الإسلام، هذه هي الخطوط الأساسية التي تحرك عليها الإمام الحكيم (قدس).