17 نوفمبر، 2024 1:47 م
Search
Close this search box.

سامكو

بداية تسعينات القرن الفارط، حيث أيام الحصار الجائر الذي فرض على الشعب العراقي. تداعيات الحصار كان عصيباً على الجميع، حيث تدهورت الحالة الاقتصادية للعوائل العراقية. كان الوضع مأساوياً، انخفض قيمة الدينار العراقي وبلغ مبلغاً لا يساوي فيه أي شيء أمام الدولار الامريكي. الرواتب كانت بحدود ثلاثة الاف دينار فقط أي ما يعادل 2 دولار أمريكي لا غير.
الكل يبحث عن مخرج من الأزمة وخصوصاً العوائل التي لها أبناء طلبة يدرسون في الجامعات وفي محافظات أخرى. هكذا بدأت محنة بطعم الزقوم والتي أفقدت كل شيء جميل طعمه ومحت رونقه.
في خضم هذه المحنة ومشقة الحياة ظهرت مجموعة أطلقت على نفسها تسمية (سامكو). يقال أن مؤسس المجموعة كان أسمه (سامي) ومنه اشتقت تسمية الشركة. أياً كان فإن الشركة تعمل على الآتي:
تدفع للشركة نقداً مبلغاً معيناً ومن ثم تقبض ضعفه وبعد فترة قصيرة.
هذا هو ملخص الكلام.. حيث أن الشركة تعمل على تشغيل هذه الأموال وتتقاسم الأرباح مع أصحابها وكل حسب نسب ما دفعه لها.
إنه عمل جيد في مرحلة الكل يبحث فيها عن شيء من الانفراج وقليل من المال قد يسد رمقه. سارع الكثيرون إلى الشركة في العاصمة بغداد لدفع ما يتيسر لهم من الأموال. من لم يكن يملك المال لم يتوانى من الاقتراض وتدبير الأموال من هنا وهناك ليأخذ محله في هذه الشركة وينال نصيبه من الأرباح التي تعد بها شركة سامكو. ذاع صيت الشركة في عموم العراق والناس يتسابقون في دفع الأموال لها. في حين أن راتب الموظف هو 3 ألاف دينار منهم من دفع لهذه الشركة أكثر من 50 ألف دينار وهكذا.
بعد حين من الزمن اكتشف المشاركون في أسهم هذه الشركة أنها شركة وهمية وقد غابت عن الأنظار بطرفة عين. لم يبقى للشركة من أثر ولا أحد يجد من يسأله عن أمواله. بدأ الحراك الشعبي والذي تحول في الكثير من الأحيان إلى عراك وخصومات بين الوكلاء والمشتركين الضحية. النتيجة أن الأموال كانت في مهب الريح وذهبت هباءً منثوراً ولم يقبض أحد أي شيء حتى ضاعت الصاية وراحت السرماية.
لم تتوقف هذه الشركات من تضليل الشارع والنصب والاحتيال على الشعب المغلوب على أمره حتى بدأت تظهر شركات مماثلة في أزمان مختلفة وبلون آخر هذه المرة. فقد سمعنا عن شركات تبيع مواد تقول أنها صنعت منها قطعة أو قطعتين في العالم بأسره وإن اقتناء هذه المواد ستعود عليهم بأموال طائلة في المستقبل لإنها سوف تتحول إلى مواد نادرة. كل من يشتري من هذه المواد ويأتي بمن يشتري سيكسب درجات تؤهله للمزيد من الربح.
شركة أخرى ظهرت مؤخراً تعمل على نفس شاكلة الشركات الأخرى. أدفع مبلغاً لشراء معروضات من خلال الانترنيت واجلب المشتركين ترفع رصيدك وتكسب المزيد. ناهيك عن شركة ماليزية تأخذ الأموال من المواطنين لاستثمارها في ٣ المغفلين الذين وهبوا أموالهم لها.
اليوم وقد انتشر بين الشباب ظاهرة هي من نفس قبيل شركة سامكو. شركة على شاكلة أخواتها في النصب والاحتيال تبيع الأفلام عبر موقعها في الانترنيت. الشباب يشترون هذه الأفلام التي تكسبهم الأموال ولا أدري كيف يكسبون المال. أخبرني أحد الشباب بالأمر فسالته: هل مقر هذه الشركة في ماليزيا؟ تفاجئ الشاب وتصور أنني قد اشتركت معها ومنها أعرف أصلها وفصلها. أخبرته بأنني لم اشترك ولكن خضنا تجارب عديدة مع مثيلاتها قبل ما يقارب الثلاثون عاماً. هذا الموقع الذي هو في العالم الافتراضي أغلق هو الأخرى صفحته بعد أن حصد ملايين الدولارات وتركت خلفها شبابا يأنون تحت وطأة الخسارة.
المسألة ليست في هذه الشركات التي تحاول استمالة القلوب وإغراء الناس وإغوائهم في سبيل نهب أموالهم بقدر ما هو مسألة شعب لا يعتبر من التجارب. نحن لا نأخذ الدروس ولم نستفد منها حتى بقينا نعيش ظلم من لا يخاف الله ولا يرحمنا. المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ونحن نلدغ من نفس الجحر في كل يوم ألف مرة. وما اكثر شركات السامكو في يومنا هنذا.

أحدث المقالات