قصة قصيرة
لم يكن لدي ما أنفقه على نفسي بعد أن فصلت من العمل وحتى السكن ممكن ان يسترد مني بين لحظة وأخرى بسبب عائديته للمؤسسة التي استغنت عن خدماتي فسرت متسكعا بين الأزقة والشوارع لا الوي على شيء حتى قادتني قدماي إلى أزقة الحي الذي تتوسطه محطة القطار الكبرى وهناك ضعت في زحام الخارجين من المحطة والداخلين إليها وثرثراتهم التي كانت بلغات مختلفة ولهجات شتى وطرحت علي عشرات الأسئلة من دون ان أملك جوابا لسؤال منها غير سائر بلا هدى ولا غاية أو هدف والمتحكم في مسيري قدماي وليس رأسي مثل ماتعود الكثيرون وبعد اجتياز المحطة والدروب المؤدية إليها وتلاشي الضجيج الناتج عن العابرين وجدت نفسي على مشارف حي يبدو أنه من أحياء الأغنياء بسبب ضخامة وجمال البيوت واتساع المناطق الخضراء وسعة الشوارع ونظافتها وعدم لعب الصبية الكرة فيها إضافة للانارة التي تشعرك انك في حفل حكومي باذخ وجاست أقدامي الشوارع والأرصفة حيث كانت كل النوافذ مضاءة ببذخ ولم اسمع في هذا التجوال المجنون شجار أزواج أو توسلات أمهات بصغارهن من أجل ان ينهوا لعبهم في الشوارع ، بعد وقت لا اعرف مداه دلفت الى شارع عريض آخر وبعدما سرت أكثر من مئة خطوة لاح أمامي بيت واسع مضاء بالنشرات الضوئية والنيونات الملونة وتصدح منه موسيقى صاخبة وتلجه زرافات من البشر نساء ورجال بابهى حلل وعطور متباينة تداهم المتجه نحو هذا البيت وعندما أصبحت قريبا من الباب ترجلت مجموعة من ثلاثة سيارات فحاصرني زحامهم وادخولني معهم البيت ممسوكا بيد امرأة خمسينية بدوت كابنها وبعد الترحيب وجمال الاستقبال وقفت تلك المرأة أمامي كقائد صلب يشرح لجنوده كيف يهاجمون العدو وقالت بلغة صافية ..
( اختر مكانك واستمتع بوقتك واحرص على اختيار اجمل الصبايا لمراقصتك ولا تاكل كثيرا عند العشاء )
ثم ابتسمت لي ولوحت بيدها وانضمت لمجموعتها.
جلست وحيدا على مائدة ليس بعيدا عنها ومررت بنظري على جميع الفتيات بنظرة فاحصة فلم تروق لي الا صبية كانت تجلس قريبا منها وترتدي ثوبا يتيح لها الحركة
. اتسعت حلقة الرقص وشارك فيها الشبان والكهول وراقصت تلك المرأة كهل اشيب من غير مجموعتها ذا صوت اجش وابتسامة ساحرة وحضور طاغي ولاحت مني التفاتة فرايت تلك الصبية تجلس وحيدة فتشجعت وسرت الى حيث هي ودعوتها للرقص فوثبت كانها غزال مذعور ووضعت يدها بيدي وسرنا باختيال نحو حلبة الرقص وعندما تحركت رقصا اذهلتني بخفة حركاتها قبل أن تلفت نظر الآخرين وكنت وانا اراقص الصبية ابحث بعيني عن تلك المرأة فوجدتها ترنو لنا بعين محب شفيق وعند انتهاء الرقصة صفق لنا الجميع اعجابا واسموني رفيق ( الحلوة ) .
ورغم اني لم اذق الا القليل من الطعام في نهار ذلك اليوم الا اني التزمت بوصايا تلك المرأة الصارمة على مائدة العشاء رغم أن الصبية الحت علي وقربت لي بعض الاصناف البعيدة عني نسبيا مع ان المرأة حاولت غض الطرف في بعض الأحيان.
بعد العشاء وتقديم الهدايا بدأ المحتفلين بالمغادرة وخرجت انا مع من دخلت معهم ممسكا بيد الصبية بحياء وعند الباب لحق بنا الكهل الاشيب وامسك بيدي واستوقف المرأة وتكلم معها عن موعد لحفل عائلي بعد أيام مشددا على حضوري مع رفيقتي ( الحلوة ) كما ناداها فوعدته المرأة خيرا ودس في يدي بطاقة ( كارت ) فيه عنوان البيت ومكتب العمل وارقام هواتفه مؤكدا على زيارته .
عند الباب طلبت مني المرأة الصعود في سيارتها فامتثلت لامرها من دون كلام وفي بيتها حصل مالم يكن في الحسبان ولم تلفظني الجنة خارج اسوارها الا بعد تكرار خطيئة جدي الأول.