كنت دائماً ( وما ازال ) من اشد منتقدي فكرة واداء جامعة الثول العربية ، وعدم جدواها لانها لم تحقق الجمع للعرب حتى على مستوى ابسط احلامهم .
والقمم العربية عادة ما تكون روتيناً لابد منه لالقاء الكلمات واستعراض العضلات والتقاط الصور ، ثم ركوب الطائرات والعودة على امل اللقاء في العام القادم ، وتتكرر نفس المشاهد وهكذا ..
هناك زعماء يحتقرون هذه القمم ولا يحضرونها .. سلطان عمان السابق مثلاً قال ذات يوم : ان المؤتمرات مضيعة للاوقات ، اما ملكا المغرب ( السابق والحالي ) فلم يحضرا اية قمة الا تلك التي يستضيفونها طبعاً .. ولكي تكتمل صور الديكور فان حضور رؤساء موريتانيا وجيبوتي والصومال وجزر القمر فهو اكمال عدد ليس الا .
مؤتمر القمة العربي الاخير كان استثناءً باشياء عديدة .. اولها ان العرب خرجوا من العباءة الامريكية لاول مرة هذا القرن واغضبوا ادارتها بقرار عودة سوريا وحضور الرئيس الاسد الى القمة وهو موقف ازعج امريكا والغرب كثيراً حتى وصل بهم الامر لاعتباره مقرفاً !!
المفارقة الاخرى هي عدم حضور وادارة المؤتمر من قبل رئيس او ملك الدولة المستضيفة .. وللمرة الاولى لم تشر دول الخليج الى ايران باية اشارة سلبية ( ولا حتى في البيان الختامي ) مستفيدة من التقارب الايرانى السعودي الاخير .. واللافت ايضاً الحضور السري والمفاجيء للرئيس الاوكراني الذي يبدو انه كان يعول على تغيير مواقف بعض الدول العربية التي دعمت روسيا او تلك التي تقف على الحياد في الحربالاوكرانية الروسية ..
روسيا والصين وجهتا رسائل مكتوبة الى رئاسة القمة والى قادتها ودولها واعتبارها بانها تمهد الى عالم متعدد الاقطاب مرحبة طبعاً بالابتعاد عن العباءة الامريكية واملاءاتها ..
بيان القمة كان تكراراً مملاً لبيانات القمم السابقة سواء فيما يتعلق بقضية فلسطين او اصلاح الجامعة ودورها وآليات العمل . .ولكن احداث السودان وليبيا والوضع في اليمن فرضت نفسها على بيان القمة الحالية في فقرات انشائية مكررة .
العرب لاول مرة ارتقوا الى الحدث في مسالة سوريا واتخذوا قراراً جريئاً بعودتها ، ولكن لم تتضح بعد اية اليات ستتبعها الجامعة لتطبيع الاوضاع في بلد مزقته الحرب .. اما باقي الموضوعات فهي مجرد آمال بحلول لقضايا السودان واليمن وليبيا ولبنان .. والامال لا تحل مشكلة ولا تغني عن جوع !
اللافت ايضاً ان اميراً طموحاً يريد ( بغض النظر عن النوايا ) ان يكون للعرب صوت وقد بدأ باتخاذ خطوات للتوازن على سبيل الاستقلال وإعادة الاعتبار للجامعة وللامة التي يفترض ان تمثل الجامعة اقطارها .. هذا الامير بدأ يثير حفيظة الحليفة الكبرى أمريكا سواء بقضية تخفيض الانتاج النفطي لدول اوبك ورفع اسعار النفط عالمياً ، او برفض التطبيع مع إسرائيل ( على الاقل في الوقت الحالي ) ، والعلاقاتالوثيقة والمتنامية بين السعودية وكل من روسيا والصين ، والجنوح ( نوعاً ما ) الى سياسة متوازنة في عالم متعدد الاقطاب وهي اشياء لم تعتد الادارات الامريكية ان تسمعها من قادة السعودية بالذات .
على ان هناك علامات استفهام ولغط كبيرين حول غياب رئيسي الامارات والجزائر عن القمة رغم ان البلدين كانا من اشد الداعين لعودة سوريا الى الجامعة مما يفتح الباب لمزيد من التكهنات حول السبب الحقيقي للغياب .
مؤتمر القمة العربي الجديد كان استثناءً في اشياء عديدة ولكنه كان روتينياً عادياً في اشياء كثيرة اخرى ..وتبقى العبرة في النتائج بحل القضايا الكبرى التي تواجه الشعب العربي واهمها الاقتصاد وتوحيد المواقف ازاء المشاكل التي تعاني منها الامة ، والاهم من ذلك كله هواليات التنفيذ التي تجعل من الجامعة فاعلة وذات صوت مسموع في العالم وليست مجالاً للكلمات الرنانة والبيانات الجوفاء والتقاط الصور .. وصرف رواتب موظفي الجامعة ومقرها ، وامينها العام الذي لا يهش ولا ينش !!