تداعبني فكرة كتابة المذكرات عن احلامي التي لم تتحقق ، احلامي المؤودة ، التي قتلها الشر المستفحل في كل مكان ، ولكن الفكرة تجد في نفسي معارضة شديدة ، لان الكتابة عن ” الانا ” هي نوع من اعلاء النرجسية ، ولست ممن يحبذ الحديث عن نفسه ، ولطالما وجدتني ابتعد عن كل محاولات اضفاء مكانة ما على اي عمل قمت به ، مستهديا بقاعدة ملازمة ، ان الكتابة عن الذات فخ يجب تجنبه ما امكن الى ذلك سبيلا.
غير ان احلامي كثيرة ، بعضها ذكرته ، والبعض الاخر سأذكره حتما هنا ( اذا اتسع صدر صديقي اياد الزاملي لذلك ) ، ولكن جعل احلامي عبارة عن مذكرات ، هذا ما اناقشه مع نفسي ، واتردد في الاعلان عنه او البوح به ، فمثلا ، ثمة حلم من احلامي التي لايمكن ان يرى النور ، ان ارى في سياسيينا الجدد ، او سياسيي الصدفة ، كما ردد ذلك زملاء في مدوناتهم ، ثقافة الاعتذار تسود في المحفل السياسي العراقي المعاصر ، على اعتبار ان من السهل عليك ان تخطئ ، فالانسان غير متكامل ، الكمال لله وحده لاشريك له ، ولكن من السهل ايضا ان تعتذر عن الخطأ ..
ثقافة الاعتذار ، تجعلك تعيش العصر بكل معطياته وتتجاذب مع حداثته ومغامرة العقل فيه اطراف حوار خلاق سيؤدي حتما الى المنفعة ، ولا اظن انها – اي ثقافة الاعتذار – ستثلم من كرامة الانسان اي جزء من كيانه الاعتباري ، بل العكس هو الصحيح ، ستجعل الكرامة اقوى انباتا في نفوس الاخرين وستعزز مكانته الاعتبارية على افضل ما يكون .
السياسيون الجدد ، سياسيو المصادفة الذين جاءوا من خلف الحدود او من خلف الفوضى التي نعيشها ، تتباين ثقافتهم ومعرفتهم بالحياة والموت والفن والسياسة ، بعضهم تعلم كلمتين ونجح في ان يكون له ” مكان ” في المشهد السياسي العراقي وهاتان الكلمتان حفظهما ببغائيا وليس نتيجة تجربة مريرة عاشها بالفعل واكتوى بنارها فانتجت حضورا ثقافيا يليق به ، قلت نجح في في ان يكون له ” مكان ” وليس مكانة ، فهذه المكانة لا تاتي الا لمن عجنته تجربة الحياة وعاش لحظة الحضور الانساني بكل اولياته ، فالمكان الذي اصبح فيه ، لنفترض صار نائبا في البرلمان ، مكان البرلمان يضفي على الشخص الذي نوهنا عنه هالة من الوجود الفعلي لا يمكنك ان تغض البصر عنه حتى وان كان فيه اشخاص يطلقون تعابير ركيكة ” دايحة ” في القاموس اللغوي المتداول ، طيب كيف تعالج اشكالية الحضور في المكان والمكانة التي يجب ان يتمثلها اخونا البرلماني ؟
في ظننا ان المثقف السياسي ، قريبة اليه ثقافة الاعتذار من ذاك السياسي غير المثقف ، ولان البرلمان العراقي فيه انواع شتى من كل ما لذ لك وطاب من منتجات الجربة الانسانية التي نعيشها ، اذ وجدنا هناك الكذاب ، وهناك السارق ، وهناك المرتشي ، وهناك العاقل ، وهناك المدلس ، وهناك المناضل الحقيقي ، وهناك وهناك .. الخ ، ولابد ان العديد منهم اخطأوا في تشخيص او تصويب حالة معينة ، فلابد عندئذ من ان تشيع ثقافة الاعتذار ، ولعل تواقيع الوزراء او تصويت البرلمانيين على امتيازات النواب والرئاسات والمسؤولين الكبار فيها من الخطا الجسيم الذي سوف يذكره التاريخ كثيرا كوصمة عار في جبين هذا البرلمان ، وليس هناك سيبلالاطفاء شحنة الغضب الجماهيرية ضد قانون التقاعد وخصوصا فقرة الامتيازات والخدمة الجهادية من مواجهة الشعب بالاعتذار ، واعادة النظر في هذه الفقرتين المذكورتين في القانون واللتين اصبحتا من سيئات الصيت .. فهل نعتذر من الناس ؟